أقلام الثبات
ذكرت القناة 12 "الاسرائيلية" أن وزير العدل "الاسرائيلي" ياريف ليفين، طلب بناءً على طلب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، من النائب العام جالي بهاراف ميارا فتح تحقيق جنائي ضد نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت كوسيلة لمحاولة التحايل على طلب إصدار مذكرة اعتقال ضد الاثنين في المحكمة الجنائية الدولية،
يقول التقرير إن نتنياهو أراد فتح التحقيق ثم إغلاقه، مع تقديم تقرير إلى المحكمة الجنائية الدولية يفيد بأن التهم تم التحقيق فيها، ويقول التقرير إن بهاراف ميارا رفض الطلب، قائلاً إنه خدعة صارخة ولن يرضي المحكمة الجنائية الدولية. يعتقد بهاراف ميارا أن لجنة تحقيق حكومية فقط - أعلى مستوى تحقيق في "إسرائيل" - في السابع من تشرين الأول / أكتوبر والحرب التي تلت ذلك في غزة، من شأنها أن ترضي المحكمة.
رفض نتنياهو حتى الآن الالتزام بمثل هذا التحقيق، قائلاً إنه يجب أن ينتظر حتى نهاية الحرب. يذكر التقرير أن نتنياهو يخشى أن تكون خدعة قانونية لمحاولة إزاحته من السلطة.
1- خلفيات القضية
في 20 أيار / مايو من عام 2024، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان طلبات للدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة الجنائية الدولية لإصدار أوامر قبض بحق رئيس المكتب السياسي في حركة حماس إسماعيل هنية، ورئيس الحركة في قطاع غزة يحيى السنوار، وقائد كتائب عز الدين القسام محمد الضيف، إضافة إلى رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع في حكومته يوآف غالانت.
وقال خان إن لديه أسبابه المعقولة للاعتقاد بأنَّ رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع "الإسرائيلي" يوآف غالانت، يتحملان المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت في قطاع غزة اعتباراً من الثامن من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023.
ومن التهم التي يتحملها نتنياهو وغالانت بحسب طلبات الادعاء:
- تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب.
- تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة.
- القتل العمد.
- تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين.
- الإبادة و/أو القتل العمد بما في ذلك في سياق الموت الناجم عن التجويع.
- الاضطهاد.
- أفعال لا إنسانية أخرى.
وأكد خان أن من حق "اسرائيل" في الدفاع عن النفس إلا أن هذا الحق لا يُعفي "إسرائيل" أو أي دولة من التزامها بالانصياع للقانون الدولي الإنساني، وأضاف أنَّ هذه الجرائم ضد الإنسانية التي وُجِّه الاتهام بها قد ارتُكِبت في إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد السكان المدنيين الفلسطينيين عملا بسياسة الدولة، مؤكدا استمرارية هذه الجرائم. واعتبر أن هناك أدلة تثبت أن إسرائيل تعمدت حرمان السكان المدنيين في كل مناطق غزة بشكل منهجي من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم الإنساني، وقد حدث ذلك من خلال فرض حصار كامل على غزة تضمن الإغلاق التام للمعابر الحدودية الثلاثة ولفترات مطولة.
وبعد تحويل الادعاء الى الدائرة التمهيدية، وانتقادات لاذعة للمحكمة من قبل الأميركيين والعديد من الدول الغربية الداعمة "لإسرائيل"، قامت الدائرة بالطلب من كل من بريطانيا والمانيا بصفتهما "أصدقاء المحكمة" لتقديم مطالعة في هذا الإطار، واستندت الادعاءات بعدم صلاحية المحكمة الى أن فلسطين ليست دولة، وبالتالي لا يجوز للمحكمة قبل الدعوى، ما ساهم في تأخير البتّ في طلبات الادعاء التي تقدم بها كريم خان الى المحكمة.
2- المطالعة الألمانية، وفتح تحقيق في "اسرائيل":
بعد أن فشل الادعاء الغربي المضاد بأن لا صلاحية للمحكمة في النظر في القضية لأن فلسطين ليست دولة وبالتالي لا يحق لها الادعاء أمام المحكمة، بدّلت دولة ألمانيا مطالعتها التي تحاول فيها نزع صلاحية المحكمة بالادعاء على نتنياهو وغالانت، وحوّلتها الى مبدأ أساسي في نظام روما الأساسي وهو مبدأ "التكامل الايجابي" بين المحكمة وسيادة الدول، بموجب المادتين 17 و18 من نظام روما الأساسي.
- ما هو مبدأ التكامل؟
هو مبدأ يحاول أن يحافظ على سيادة الدول، حيث يعتبر أن المحكمة لا يمكنها التحقيق في الجرائم الدولية الأساسية والمحاكمة عليها إلا أذا كان القضاء الوطني في الدولة المعنية غير قادر أو غير راغب في المحاكمة على هذه الجرائم. أما إذا كانت الدولة راغبة وقادرة على القيام بالمهمة، فالأفضلية هي للقضاء الوطني، وبالتالي لا يمكن للمحكمة النظر في القضية انطلاقاً من مبدأ أنه لا يجوز محاكمة الشخص على نفس الجريمة مرتين. أما إذا وجدت المحكمة أن المحاكمة الوطنية صورية، فيمكن لها أن تعود لتطلب محاكمة المرتكب أمامها.
وعلى هذا الأساس، قالت ألمانيا في مطالعتها إن المادة 17 (1) من النظام الأساسي تتطلب من المدعي العام أن يأخذ في الاعتبار ظروفًا محددة، أي عندما يكون للدولة المعنية نظام قضائي فعال ومستقل يعمل بينما لا يزال هناك هجوم مسلح مستمر على تلك الدولة، هي ظروف التي قد تتطلب من المدعي العام السماح بمزيد من الوقت لإجراء التحقيقات الوطنية.
وتزعم ألمانيا أن "اسرائيل" دولة لها قضاء مستقل وفعال، ويجب اعطاؤها الوقت الكافي لإقامة تحقيقاتها الوطنية، ولقد تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية باعتبارها "محكمة الملاذ الأخير" وليست بديلاً للمحاكم الوطنية، وهو ما يعطي الأولوية للتحقيق الاسرائيلي الداخلي. وتزعم ألمانيا أن التفسيرات المقترحة للمادتين 17 و18 من النظام الأساسي تتفق إلى حد كبير مع هذا الطلب.
وعليه، وبالنظر الى التطورات التي حصلت منذ تقديم كريم خان طلبه الى المحكمة التمهيدية، نجد أن عملية تقويض الادعاء على نتنياهو وغالانت في المحكمة الجنائية الدولية يقوم على مسارين:
الأول: المسار الألماني الذي يمنع المحكمة من الادعاء، على أن يتم فتح تحقيق جنائي في المحاكم الوطنية في "اسرائيل".
الثاني: مسار الضغوط الشديدة على قضاة المحكمة، وهو ما كان كريم خان قد أقرّ به علناً في مقابلة تلفزيونية، ونجد:
- تم تنحية رئيسة القضاة في تلك القضية في اكتوبر من عام 2024، وهي القاضية الرومانية يوليا موتوك، والتي طلبت اختيار بديل لها لأسباب صحية، وحلت محلها على الفور بيتي هولر القاضية السلوفينية في المحكمة.
- وفي الوقت نفسه، أفادت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، كريم خان، متهم بالتصرف بشكل غير لائق بحق إحدى المستخدمات، وهو ما نفاه خان، وقال إنه والمحكمة يتعرضان للملاحقة والتهديدات نافياً الشبهة جملة وتفصيلا.