أقلام الثبات
نشر الاحتلال مقطع فيديو من مسيرّة زعموا أنها للحظات الأخيرة لقائد حماس يحي السنوار، وفيها يظهر أن السنوار، وبالرغم من إصابته، قام برمي قطعة من الخشب على المسيّرة لتعطيلها، كما أوردت وكالات الأنباء نقلاً عن مصادر عسكرية ما مفاده "أن اشتباكاً حصل مع مجموعة مقاومين، فتمّ استقدام دبابة ومجموعة إضافية من الجنود. قام السنوار بالانتقال الى الطابق الثاني من المبنى بعد إصابته، وفقدان يده. حاول الجنود الدخول الى المبنى رمى عليهم السنوار قذيفتين، تدحرجتا على السلالم".
وتضيف الرواية "الاسرائيلية" للأحداث كما أوردتها الصحف العالمية:" تراجع الجنود، وارسلوا مسيّرة لفحص المبنى، رصدت المسيّرة رجلاً مقنّعاً مصابًا بيده، رمى عليها خشبة. في هذه اللحظات، أطلقت الدبابة قذيفة على المبنى، فدمرته وقتلت السنوار".
إن ما تمّ نشره من اللقطات المصوّرة وما أوردته وكالات الأنباء الأجنبية، يشير الى أن الاحتلال ارتكب خطأ فادحاً في حرب المعلومات التي يخوضونها ضد المقاومة.
تدخل "العمليات النفسية" من ضمن حرب المعلومات، وهي إجراءات مخطط لها، تهدف الى نقل معلومات مختارة الى الجمهور للتأثير على عواطفهم، ودوافعهم وحججهم الموضوعية، وأخيراً التأثير على سلوك القوى المعادية والجماعات والأفراد.
وانطلاقاً مما سبق، يبدو أن الغرور الاسرائيلي جعل قادة الحرب النفسية لديهم يرتكبون خطأ كبيراً وفادحاً في حرب المعلومات التي يخوضونها، وذلك على الشكل التالي:
1- الانسان بشكل عام، وفي كل أنحاء العالم، يهوى صورة "البطل" الذي يشتبك مع اعدائه الاشرار الى النهاية. هذا العامل الانساني النفسي جعل أفلام هوليوود السينمائية تركّز بشكل دائم على خلق البطل الذي يبقى يقاتل بالرغم من إصابته، ويقاوم "الأشرار الى النهاية"... هذا العامل التشويقي النفسي يلعب على حس العدالة الإنسانية الموجودة في الغريزة الانسانية، وهو ما يجعل الجمهور المشاهِد يتعاطف مع البطل ويتمنى نجاحه ويفرح لانتصاره في النهاية حتى لو كان يقاتل الشرطة.
وعليه، إن نشر الاسرائيلي لفيديو المسيّرة حوّل السنوار الى "اسطورة" ستلهم مقاومة الشعب الفلسطيني والمقاومات العالمية ضد الاحتلال والهيمنة لعقود قادمة.
2- لطالما حاولت اسرائيل من ضمن حرب المعلومات التي تشنّها على المقاومة في فلسطين، أن تشوّه صورة قادة حماس، عبر إطلاق شعارات عليها، كشعار "مقاومة الفنادق" للتسويق بأن قادة حماس في القصور والفنادق بينما يقاتل أهل غزة ويقاومون ويجوعون الخ... والآن أتت صور السنوار "المقاتل المشتبك لآخر رمق في غزة"، لتعطي حماس دفعاً جديداً وصورة مختلفة كلياً عما حاول الاحتلال نشرها في السابق.
في المحصلة، لقد حاول الاسرائيلي أن يثبط عزيمة المقاتلين في غزة عبر نشر الصور والفيديوهات الأخيرة للسنوار، لكن ما لم يدركه الاحتلال أن هذه الصور ستؤدي دوراً معاكساً، وسيكون لفلسطين "أيقونتها" البطولية الجديدة، التي ستدفع الشعب الفلسطيني الى قتال بعزيمة أكبر.... لقد خلق "جيفارا" عربي، وسيندم الاحتلال كثيراً على ذلك.