أقلام الثبات
قبل عملية مُسيَّرة "بنيامينا" بعشر دقائق، كانت الإذاعة "الإسرائيلية" تنقل عن مصادر الجيش، بُشرى الى الجبهة الداخلية؛ أن حزب الله تبقَّى لديه ما نسبته 20 إلى 30% من القدرة الصاروخية المتوسطة المدى، مما جعل من وصول المُسيَّرة إلى "بنيامينا" التي تقع إلى الجنوب من حيفا، صدمة سياسية مزدوجة: أولاُ للداخل "الإسرائيلي"، وثانياً لبعض اللبنانيين الذين راهنوا على أن سلاح المقاومة قد انتهى أمره، ويحسمون بآرائهم، ربما لأنهم يتابعون الأخبار بالعبرية.
وللتذكير فقط، أنه بعد مرور سنة من العدوان على غزة، بدءاً من شمال القطاع، عاد الجيش "الإسرائيلي" بعد سنة إلى شمال القطاع، للضغط بمختلف وسائل القمع الحياتي على الرافضين المغادرة من الفلسطينيين، ويأمرهم بالنزوح إلى جنوب محور نتساريم، حيث للشمال حسابات في مخططات التوطين والاستثمار، رغم أن حكومة نتانياهو لم تُعلن خطة اليوم التالي بعد، فيما يضع بعض الساسة اللبنانيين خطط اليوم التالي لما بعد حزب الله.
وإذ نكتفي بالعنوان الذي أجمعت عليه الصحف "الإسرائيلية" صباح الإثنين: "كارثة المُسيَّرة"، فهي لم تتناول فقط بُعد المسافة التي اجتازتها المُسيَّرة دون مواجهة دفاعات اعتراضية، وحجم الخسائر التي نجمت عنها، بل تساءلت عن ضمانات لعدم وصول سواها مستقبلاً إلى الداخل "الإسرائيلي".
بدوره، علَّق رئيس شعبة العمليات السابق، اللواء يسرائيل زيف، على ما اعتبرها كارثة قاعدة غولاني بالقول: أعتقد أننا في مكان بدأ فيه حزب الله بالتعافي رغم الضربات التي تلقَّاها، وأضاف: يُمكن أن يجرُّنا حزب الله إلى حرب استنزاف دموية ومؤلمة لفترة طويلة وهذا إنجاز عظيم، وأنا لا أتعامل معه باستخفاف.
وإننا هنا إذ نترك الحديث عن الميدان لأهل الميدان، والتحليل العسكري والاستراتيجي لأهل الاختصاص، لأن واقع النزوح الآن يستحق أكثر من سواه، مع التنويه بأن الدولة اللبنانية، رغم شبهات الفساد التي تُدركها دول الإقليم والعالم، جاءها مفاجئاً موقف الهيئات الرسمية في الدول الخليجية؛ بإرسال المساعدات إليها وعبرها وليس للأحزاب والمؤسسات الحزبية، ربما لأنها تعتبر الأحزاب اللبنانية أكثر فساداً من الحكومة، وإننا إذ نكتفي بإبداء الاحترام والتقدير وتوجيه الشكر، لكل العاملين على معالجة مشكلة النزوح، ومن ضمنهم الأحزاب، فإن هذه الأحزاب مختلفة فيما بينها على موضوع خوض الحرب تحت عنوان إسناد غزة، ووجدت لنفسها باباً جديداً للاختلاف بل للخلاف الحاد، والتقاتل في الحقل قبل الوصول الى البيدر، علماً بأن ما ارتكبته وترتكبه الطبقة السياسية والحزبية من تمزيق للوطن والدولة والشعب، يحصل من قبل طوفان الأقصى وقبل إسناد غزة، بل من أكثر من ثلاثة عقود، ومسألة إسناد غزة تم تحميلها للحزب وحده، وكأن الساحة اللبنانية خالية من المخابرات الدولية وأعمال السفارات، وفي طليعتها السفارة الأميركية التي باتت قلعة هيكلها يُناطح السحاب، وباباً عالياً يزحف إليه الزاحفون، ومنه الأوامر يتلقُّون، خصوصاً بعد أن أريد لثورة 17 تشرين أن تكون.
نعم، لدينا فئة من المراهنين على هزيمة المقاومة ولبنان، لتكون الهزيمة نصراً لهم، بحيث كان الجيش "الإسرائيلي" في بداية عمليات الاستطلاع العسكري في الجنوب اللبناني، عندما اعتبروا المناورات اجتياحاً، وانتظروا الاجتياح، وبدأوا بناء استراتيجيتهم لليوم التالي على هذا الأساس، فيما نتانياهو نفسه حائر في مقاربة اليوم التالي في غزة، والضفة الغربية وفي لبنان.
ومن قبل مسيَّرة "بنيامينا"، وما تلاها من صواريخ أطلقتها المقاومة، كانت هناك تصريحات علنية وتغريدات لجماعات تبحث "الوضع اللبناني بعد حزب الله"، لا بل بدأ تمشيط اللحى لأخذ المتاريس السياسية على هذا الأساس، ونحن نرى أنه من المبكِر جداُ الغرق في هذه الأوهام، لأن حزب الله ليس فقط سلاحاً، بل عقيدة إيمانية وجماهير شعبية، وباتت أهمية مُسيَّرة "بنيامينا" ليست في تحقيق الأهداف بالداخل "الإسرائيلي"، بل رسالة الى البعض من الداخل اللبناني المُعادي للمقاومة، المستعجل على وضعه، ربما لحماية لبنان من العدوان بلا مقاومة ولا توازن ردع بل بالقرارات الأممية البالية وببواريد الصيد.