أبواق الغزاة ــ عدنان الساحلي

السبت 05 تشرين الأول , 2024 04:26 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
يتجاهل غيورو اللحظة وأصحاب تصريحات غب الطلب، من مدعي السيادة وحب لبنان، أن تصريحاتهم ومطالبهم تتطابق حرفياً وكلمة بكلمة، مع تصريحات ومطالب الرئيس الأميركي جو بايدن وأركان إدارته، المتطابقة بدورها مع ما يقوله قادة العدو "الإسرائيلي" من سياسيين وعسكريين.
وقد أثبتت مواقف وتصريحات دول الغرب، خصوصا أميركا وبريطانيا وفرنسا؛ وغيرهم من دول "الناتو"، أنهم هم القوة الحقيقية والفعلية التي تحمي الكيان الإسرائيلي"؛ وليس ما يسمى "جيش الدفاع" الذي لم يستطع تحقيق انتصار حقيقي واحد، إلا عبر خيانات أنظمة عربية؛ وبدعم أميركي وغربي مباشر، وبكل الوسائل المتوفرة.
ويتناسى دعاة الحياد في لبنان أن الكيان الصهيوني ذاته ما هو إلا إحدى الحملات المتجددة في الحروب الغربية، التي أخفى فيها الغرب أطماعه خلف الصليب، فأسميت "الحروب الصليبية".
كانت "الحروب الصليبية" تشن حملاتها براً لتحتل بلادنا، وكانت المواجهات تستمر مع كل حملة سنوات وعقوداً، حتى يتم كنسها وطرد عساكرها وملوكهم، وهكذا استمر الحال قرابة مائتي سنة، إلى أن ظهرت الدولة العثمانية، فأقفلت طريق البر أمام الصليبيين؛ وطاردتهم حتى أبواب فيّينا. وبعد عقود وعهود، عادت شهوة التوسع إلى نابوليون بونابرت، فعبر البحر إلى مصر ومنها إلى عكا، التي هزمته وصدته بأسوارها الحصينة، ثم انتهى نابوليون تاركاً العبر التي أخذها هو وستمائة عالم رافقوا غزوه إلى بلادنا، وتلقف الإنكليز تلك العبر، فوقف أحد ساستهم يقول في مجلس اللوردات البريطاني سنة 1814: "إن المنطقة الواقعة بين مضيق جبل طارق والخليج الفارسي هي أكثر منطقة في العالم ينسجم سكانها في عاداتهم وتقاليدهم ولغتهم ودينهم وتاريخهم، لكن وجود دولة واحدة فيها يتعارض مع مصالحنا".
وهكذا بدأ التخطيط البريطاني لتفتيت المنطقة ووراثة "رجل أوروبا المريض"؛ وهو الاسم الذي أطلق في ذلك الزمن على الدولة العثمانية، التي أنهكتها صراعات أبناء سلاطينها على السلطة؛ وقتلهم بعضهم البعض، إضافة إلى ظلمها الشديد للشعوب العربية والإسلامية، التي ادعت أنها تمارس عليهم سلطة الخلافة الإسلامية.
وما يؤكد أن الإنكليز هم أصحاب فكرة إنشاء الكيان "الإسرائيلي"، على حساب فلسطين وشعبها، كأحد وجوه تجديد الحروب الصليبية، أن المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عقد في مدينة بازل في سويسرا، عام 1897، بزعامة تيودور هرتزل، طالب الدول الغربية بمساعدة اليهود على إقامة دولة لهم في أوغندا، أو في الأرجنتين. وكان لإنكلترا الدور الأساس في تشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين؛ وفي قمع ثورات الفلسطينيين وانتفاضاتهم رفضاً لهذا المشروع، الذي رفع شعار (حدودك يا "إسرائيل" من الفرات إلى النيل)، كما وفرت بريطانيا كل الدعم لإنشاء هذا الكيان التوسعي الإجرامي، الذي حول حياة سكان المنطقة إلى جحيم، ومنعت الأنظمة العربية التي كانت كلها تدور في فلك الاستعمار البريطاني والفرنسي، من الوقوف والقتال جدياً لمنع إنشاء هذا الكيان، ولذلك عندما دخل الجنرال الفرنسي غورو إلى دمشق ركل قبر صلاح الدين الأيوبي بقدمه وقال له: "اصحَ يا صلاح، ها قد عدنا"، وأكمل مهمته ففصل لبنان عن سورية وأعلن لبنان الكبير، فيما تولت بريطانيا إنشاء إمارة شرق الأردن، لتكون لاحقاً المملكة الأردنية الهاشمية، وأنشأت مملكة في العراق، كل ذلك لتفتيت المنطقة، خدمة لمشروع إنشاء الكيان الصهيوني.
هذا في السابق، أما هذه الأيام، فقد شاهد العالم كيف استنفرت أميركا وأوروبا ببوارجها وحاملات طائراتها، عندما ضرب "طوفان الأقصى" الكيان الدخيل، وفي أجواء شمول العدوان الصهيوني لبنان، صرح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بأن فرنسا ساعدت "إسرائيل" في التصدي للرد الصاروخي الإيراني، وعندما سئل الرئيس الأميركي بايدن عما إذا كان سيرسل قوات أميركية لمساعدة "إسرائيل"، قال: (لقد ساعدنا "إسرائيل" بالفعل. وسنقوم بحمايتها).
أما مجموعة الدول السبع، التي تضم أميركا وأذيالها الأوروبيين، فكررت أمس (التزامنا بشكل لا لبس فيه بأمن "إسرائيل").
وإذا كانت أبواق الغزاة في لبنان، تتجاهل مثل هذه المواقف، فإنها لا تستطيع أن تتعامى عن تصريح وزارة الخارجية الأميركية أمس، الذي جاء فيه: (نوافق على استمرار "إسرائيل" في استهداف حزب الله، لإزاحته عن الحدود الشمالية عبر الحملة المحدودة).
كل ذلك، ثم يأتيك عميل وقح يطالب المقاومة بأن تطبق القرار 1701 من جهة واحدة، وهذا مطلب "إسرائيلي" صريح، مستغلاً العدوان "الإسرائيلي" المدعوم أميركياً، كما يطالبها بأن تسلم سلاحها للجيش في كل لبنان، متجاهلا أنه وغيره من عصابات اللصوص والفاسدين الحاكمين باسم الطوائف، تجنبوا طوال العقود السابقة تسليح الجيش ليكون قادرا على الدفاع عن لبنان، وهو يعلم أن أميركا تعارض تسليح الجيش اللبناني بأي سلاح يمكن أن يستخدم ضد العدو "الإسرائيلي"، في حين أنه بوضعه الحالي عاجز عن الدفاع عن نفسه، فكل يوم، منذ اشتداد العدوان الصهيوني، يسقط للجيش شهيد أو جريح، فيما هو عاجز عن الرد، لكن كل لبناني شريف ولديه ذرة من الكرامة يعلم أن ليس لنا في هذه الأيام غير المقاومة، لتحمي شعب لبنان من أن يصبح عبيداً عند عصابات التلمود، ولتحمي ارضه من أن تصبح مستعمرات صهيونية.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل