نتانياهو.. من عتمة أنفاق غزة إلى شرق أوسط لن تشرق شمسه ــ أمين أبوراشد

الجمعة 04 تشرين الأول , 2024 11:49 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

شُبهة "الهروب إلى الأمام" التي تُلازم رئيس الحكومة "الإسرائيلية" بنيامين نتانياهو، وُلِدت أصلا في الداخل "الإسرائيلي" من طرف مُعارضيّ توجهاته، سواء كانوا من داخل حكومته أو خارجها، والتناقضات التي يعيشها هي نتاج محاولاته إرضاء الجميع بهدف البقاء في السلطة، بصرف النظر عن فشله في تحقيق أهداف العدوان على غزة.  

ونتانياهو وجد نفسه هارباً من عتمة أنفاق غزة، بعد سنة من الإجرام غير المسبوق، تاركاً خلفه خيبة أهدافه المُعلنة منذ نحو عام، في العثور على قيادات حماس وتفكيك الحركة وإطلاق الرهائن، وانتقل إلى الضفة الغربية ليواجه مع جيشه وعصابات المستوطنين تحدّّ من نوعٍ آخر، حيث الاشتباك بين أية مستوطنة يهودية مع مطلق بلدة عربية متجاورة يُنذر بانفجار أفقي، ستتشظى منه الضفة بكل مستوطناتها الصهيونية مع المدن والبلدات الفلسطينية.

وبذريعة أمن الكيان "الإسرائيلي"، وتحت عنوان الدفاع عن النفس، وإعادة المستوطنين الى شمال فلسطين المحتلة، سحب نتانياهو غالبية الفِرَق العسكرية من غزة وبعض الضفة الغربية الى الحدود مع لبنان، حيث نجح في "الحرب عن بُعد" منذ عمليات ال Pagers والأجهزة اللاسلكية، واغتيال القادة في حزب الله وصولاً الى اغتيال الشهيد الكبير سماحة السيد حسن نصرالله، ومحاولة تحويل الضاحية الى غزة ثانية، وأعلن النصر ولكن، بالغ في المكابرة الى حين حصول الضربة الإيرانية، وبدء عمليات الالتحام البري مع مجاهدي حزب الله، التي آلمت وسوف تؤلم البيت الداخلي الصهيوني، مما يكفي لبقاء التهوُّر "الإسرائيلي" وما يتطلّع إليه نتنياهو من أحلام تغيير وجه الشرق الأوسط وتوازناته، من خلال استعراضه قدرات جيشه في القتال على جبهات متعدّدة، وفي استخدام أحدث أنواع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، لإزاحة العوائق من أمام طموحاته الإقليمية، من أجل قيام “إسرائيل الكبرى” لا من حيث الاحتلال العسكري للجغرافيا، بل من خلال إظهار النفوذ والسيطرة الاستراتيجية والسياسية على مجمل المنطقة، وسط إغفاءة عربية وتغاضي دولي، لكن الخوف كل الخوف، أن يحصل للضاحية الجنوبية ما حصل لقطاع غزة من قتل وتدمير وتهجير، انتقاماً لما يحصل في المواجهة البرية مع المقاومة في لبنان.

ومنذ ستة أيام فقط، كان بنيامين نتانياهو واقفاً على منبر الأمم المتحدة لإلقاء كلمته في الجمعية العمومية التاسعة والسبعين، وأثار الجدل بالخرائط التي كان يحملها، والتي تُصنِّف دول الشرق الأوسط- وفق معاييره- الى دول “الخير” التي تجمع كيانه مع مصر والأردن وبعض دول الخليج، ودول “الشر” التي تجمع بعض الدول العربية والإسلامية المقاومة للاحتلال، وفي مقدمتها إيران والعراق وسوريا.

ومع حمل نتانياهو خرائط تصنيف الشرق الأوسط بين محوري "الخير" و"الشر"، ومع حفظ الاحترام لدعاة وحدة أبناء الديانات الإبراهيمية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، فإن نتانياهو ينظر ويُنَظُِر على الآخرين من وحي الصهيونية الدينية، التي تجمع الليكود والأحزاب اليمينية العنصرية في "إسرائيل"، وكي لا يغفل الزاحفون الى التطبيع مع هذا الكيان عقلية نتانياهو التوسعية، نأتي على ما ورد عن لسانه في العام 2018.    

في شهر أيار/ مايو من ذلك العام، نتنياهو دعا لعودة إسرائيل إلى أرض إيران القديمة، وقال: "الوقت قد حان منذ فترة طويلة ليعيش شعبه مرة أخرى على أرض أجداده، وأكد الدعوة إلى عودة "الإسرائيليين" إلى وطنهم القديم إيران"، وأضاف: "كانت أرض إيران جزءًا من تراثنا منذ فترة طويلة، و نحن نناشد المجتمع الدولي، بالعمل معنا لضمان عودتها إلى الدولة اليهودية المستقلة، و"إسرائيل" مستعدة لاستخدام القوة العسكرية إذا لزم الأمر لإعادة احتلال 636,400 ميل مربع من إيران الحالية، التي كانت مدرجة تاريخيًا في الأرض الموعودة التي مُنحت للشعب اليهودي بموجب تفويض توراتي".

هذه هي عقلية نتانياهو، يتأبط "توراته" باليمنى، وخرائط الشرق الأوسط باليسرى، ويحلم بأكبر من "إسرائيل الكبرى" رغم أنه أعجز من أن يسيطر على 360 كيلومتر من قطاع غزة، وجيشه أعجز من أن تطأ دعساته قرية العديسة في لبنان، وتحطمت رؤوس ألوية النخبة لديه في مارون الراس، وكل مَن راهن على أن نصر المقاومة في لبنان يضع حداً لجنون نتانياهو فهو على حق، لأن مَن خاب أمام المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة، سوف تُجهز عليه المقاومة في لبنان كما فعلت في العامين 2000 و 2006، وممنوعٌْ عليه أن يتأبط الخرائط الصهيونية ويرسم في أحلامه وأوهام الأميركيين شرط أوسط جديد لن يرى الشمس.

في الخلاصة، ولأن إيران هي قائدة "دول الشر" من المنظور الصهيوني، وحيث من المُبكر الحديث عن مواجهة مباشرة بين "إسرائيل" وإيران، فإن رأس حزب الله عبر قادته بات هو المطلوب كرأس حربة لمحور المقاومة، وإيذاء بيئة حزب الله وتطبيق "عقيدة الضاحية" على الضاحية من خلال التدمير الممنهج بات واقعاً، لكن استمرار العدو لعملية القصف المجرم، ليس من مصلحة لبنان ولا المقاومة، ومعادلة مدينة مقابل مدينة ومدني مقابل مدني قد تكون واجبة الوجوب...


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل