أقلام الثبات
ليس هناك أجمل من مشهد شارع مزدحم بالناس، في إحدى ضواحي العاصمة اللبنانية، غير بعيد كثيراً عن مكان غارة "إسرائيلية" غادرة، حيث يتسابق المتواجدون في الشارع لمعرفة مكان سقوط الصاروخ "الذي مر فوق رؤوسهم"، من دون أن تظهر على أي منهم أي مظاهر خوف، أو رد فعل انهزامي، ليخلص معظمهم إلى القول: لا خوف، بل صمود وليكن ما يكون.
هذه المشاعر والمواقف ليست غريبة عن بيئة المقاومة؛ وعن الذين توارثوا قتال العدو الصهيوني وصمدوا في وجه إجرامه منذ عقود. في مقابل أصوات نشاز، اعتدنا عليها في مثل هذه الظروف؛ تروج للهزيمة وتنشر التوهين والإحباط، لأن أصحابها مهزومون في نفوسهم قبل أن يكونوا مهزومين في ساحات المواجهة.
يعرف اللبنانيون عموماً، وخصوصاً بيئة المقاومة، حجم المؤامرة التي يتعرض لها المقاومون، ليس فقط من قبل العدو "الإسرائيلي" ومعه عبيد المال الصهيوني في الإدارة الأميركية، فهؤلاء هم رأس جبل الجليد، فيما المخفي أعظم، حتى لو حاول إخفاء تبعيته للمشروع الغربي - الصهيوني الذي يغزو بلادنا، وعلى رأس هؤلاء الأتباع أنظمة التطبيع مع العدو "الإسرائيلي"، التي تحاول جعل الناس ينسون أنها تعمل على إقامة تحالف، يضمها مع الغزاة الصهاينة الذين يحتلون فلسطين، سمي في وقت ما باسم "ناتو" عربي.
كذلك، يعرف اللبنانيون؛ وفي مقدمهم المقاومون، أن العدو في حربه لا ينتظر حجة ولا تبريرَ لاعتداءاته. ولبنان مثلما لم يرتاح يوماً من الاعتداءات "الإسرائيلية"، لم يرتَحْ من الضغوطات الأميركية وضغوطات الأنظمة العربية السائرة في الفلك الأميركي و"الإسرائيلي".
والوقائع تقول إن العدو يحضر منذ سنوات لعملية التفجير الإلكترونية، التي استهدف فيها ألاف المقاومين. وهنا لا بد أن نتذكر ما سمي حينها "فضيحة بيغاسوس"، التي أظهرت، بشهادة التحقيقات الفرنسية، وجود تعاون أمني بين النظامين السعودي والإماراتي وبين الكيان الصهيوني. وفي ذلك الوقت، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس، أن الرئيس ماكرون أمر "بسلسلة كاملة من التحقيقات"، بشأن ملف برنامج التجسس "الإسرائيلي بيغاسوس"، بعد أن نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية ، إن سلطات المغرب استخدمت برنامج "بيغاسوس" للتجسس المطور من قبل شركة "NSO الإسرائيلية"، لمراقبة الرئيس الفرنسي ماكرون. وانكشف حينها كذلك، أن السعودية والإمارات تتجسسان على شخصيات لبنانية بتلك التقنية "الإسرائيلية". وبالطبع، لا داعي للوقوف عند التعاون الاستخباراتي السعودي الإماراتي الصهيوني ضد لبنان، فهو مسألة واضحة وقديمة، وبالتالي فإن تلك الفضيحة ينبغي أن تأخذ حجمها الفعلي في سلّم التهديدات الأمنية والحوادث التي يشهدها لبنان.
من هنا لا تعود أية قيمة لأي كلام عن أن المقاومة هي التي تعطي ذريعة للعدو ليمارس عدوانه. ورئيس حزب "إسرائيل بيتنا" الصهيوني افيغدور ليبرمان، عبر عن مواقف قادة العدو موالاة ومعارضة، بقوله: "يجب أن نستمر في ضرب حزب الله حتى يرفع الراية البيضاء". وهذا حلم صهيوني عجز العدو عن تحقيقه، بكل جرائمه، طوال الحروب السابقة.
والواقع كذلك، أن قادة العدو "الإسرائيلي" يحلمون كحلم إبليس في الجنة. فمشروعهم كان يفترض أن كيانهم غير الشرعي، سيصبح جزءاً من منظومة المنطقة، مباشرة بعد إنشائه؛ وبعد تمثيلية التحرير التي أدتها أنظمة الخيانة، التي كانت تحكم البلدان العربية في ذلك الوقت. لكن لم يكن في ظنهم أن ضباط جيش مصر سيقلبون الطاولة بقيادة جمال عبد الناصر؛ ويواصلون الصراع والتصدي لهذا المشروع الاستعماري، وعندما تمكنوا من التخلص من جمال عبد الناصر ونظامه، بعد عقدين من الزمن، برزت لهم المقاومة الفلسطينية بفصائلها العديدة. وعندما تمكن التحالف الشيطاني الأميركي - الغربي –العربي الرجعي - الصهيوني، من التخلص من المقاومة الفلسطينية، بصيغتها السابقة، تدخلت العناية الإلهية وظهرت الثورة الإسلامية في إيران وقلبت الطاولة الاستعمارية؛ ودعمت مقاومة اللبنانيين، فكان "حزب الله". كما دعمت مقاومة الشعب الفلسطيني، فكانت "حركة حماس" و"حركة الجهاد الإسلامي". وذلك التحالف الشيطاني أعجز عن أن يزيل من طريقه هذه القوى المقاومة. فهي قادرة على الصمود وأقوى على المواجهة. وحتى لو تمكن العدو منها، فإن تاريخ الحروب الصليبية على بلادنا يقول إن الغرب الذي أخفى أطماعه خلف شعار الصليب، أنشأ ممالك وإمارات في بلادنا، لكن جرى كنسها بعد قرابة مائتي سنة على تلك الحروب.
معركة صمود وانتصار ــ عدنان الساحلي
الجمعة 27 أيلول , 2024 02:13 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة