الثبات ـ إسلاميات
إن الله تعالى شرع لعباده شريعة متكاملة شاملة، وأمرهم أن يعبدوه على منهاجها، وأن يسيروا على صراطها، لتزكو نفوسهم، وتستقيم عقولهم، وتسلم جوارحهم، فهو خالقهم سبحانه وأعلم بما يصلح لهم، فالصانع أعلم بصنعته من غيره، فسبحانه من عليم خبير حكيم، لذلك كانت الشريعة فياضة بالرحمات، تناسب كل إنسان، وزمان ومكان، وتقيم العدل بين جميع الناس، وتحق الحق، وتبطل الباطل، فتعطي صاحب الحق حقه دون تعدٍ، وتردع الظالم عن ظلمه.
وكذلك جاءت الشريعة، والأعمال التعبدية لتنقذ بني الإنسان من حضيض البهيمية الحيوانية، وتنظم شهوته الفطرية في مسارها الصحيح، فمثلًا شهوة الفرْج شرع الله لها النكاح وحرَّم فيها السفاح، وشهوة الطعام والشراب واللباس، وكذلك شهوة الكلام وغير ذلك كلها لها طريقين طريق الحلال وطريق الحرام، فنقلت الشريعة الإنسان الذي يلتزم بها من المستوى الأرضي إلى مستوى الروحاني الملكوتي، وشتان بين الرتبتين لهذين الإنسانين:
الإنسان الإيماني الرباني الذي قال الله تعالى فيه: { ولكن كونوا ربَّانيين}.
لا شك أن كل عمل له أثره في عامله، فآثار الطاعة وأنوارها تظهر على الذي يلتزم بالشريعة قال تعالى: {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون} والمعنى: الزموا صبغة الله تعالى وهي عبادته كما شرع لكم، فإنها صبغة كمال ونور إلهي للعبد يستنير بها قلبه وعقله وسمعه وبصره ووجهه، قال تعالى:{ سيماهم في وجوههم من أثر السجود} أي: ومن انصبغ بهذه الصبغة الإلهية صارت له علامة نورانية تميزه ويسعد بها سعادة الأبد.
والإنسان الأرضي الذي قال الله فيه:{ واتلُ عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها} أي: لم يتحقق بأوامر الآيات ولم يثبت عليها، بل نزعها وتركها وانسلخ منها، وبالتالي: {فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين} أي: الضالين الراسخين في الغواية {ولو شئنا لرفعناه بها} أي: لو اتبع وعمل بما أنزل الله من الشرع الحنيف لرتفع إلى منازل الأبرار{ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون} فبسبب مخالفته، نزل إلى أدنى المستويات، نسأل الله السلامة.