الثبات ـ عربي
تبدو العملية الفدائية التي وقعت عند معبر «اللنبي» البرّي الفاصل بين الأردن والضفة الغربية، محمّلةً بدلالات كثيرة؛ إذ دائماً ما تحسّبت المنظومة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية لسيناريو من هذا النوع، قبل أن يتحقّق شيء منه صباح أمس. وبيّنت العملية التي نفّذها سائق شاحنة أردني، تمكَّن من إطلاق النار من مسدسه على رؤوس ثلاثة مستوطنين إسرائيليين، حجم القهر الذي يعتمل لدى الأردنيين إزاء حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة والضفة. كما ضربت العملية المنظومة الأمنية والاستخبارية في مقتل، كوْنها وقعت في مكان حسّاس جداً بالنسبة إلى إسرائيل، وألحقت خسائر بشرية طالت مستوطنيها، وكشفت عن تخطيط وتنفيذ متقنَين. كذلك، أكد الهجوم أن جرائم الاحتلال لن تمرّ من دون ردّ فعل، وهو ما ينطبق على كل دول الطوق، وينسحب أيضاً على مصر التي شهدت حدودها عمليات عدّة. ولعلّ عمليةً من النوع الذي سُجّل أمس، رغم حساسية النقطة التي وقعت فيها والإجراءات الأمنية المشدّدة هناك، قد لا يمكن منع تكرارها، في ظلّ الغضب الشعبي العربي إزاء ما يحدث في غزة والضفة، وتحديداً لدى الدول التي لها علاقات ديبلوماسية أو اتفاقات سلام مع الكيان، وهو ما من شأنه أن يؤسّس لخسارة إسرائيل كل المكاسب التي حقّقتها من تلك الاتفاقات.وعلى جري عادتها بعد كل عملية فدائية، دارت ماكينة الإعلام والتحريض اليمينية الإسرائيلية، والتي تشمل المنظمات الاستيطانية؛ إذ دعا رئيس مجلس وادي الأردن إلى تطبيق السيادة الإسرائيلية على المنطقة، بعد عملية معبر «اللنبي»، قائلاً: «في الأردن، هناك سكان عرب يدعمون حماس، أصلهم من الضفة، ومن المؤسف أن مثل هذه الأحداث سترافقنا لسنوات حتى نتّخذ قراراً في شأن ماهية الأهداف الإستراتيجية للدولة. لقد حان الوقت لبسط السيادة الإسرائيلية على غور الأردن - هذا هو الرد الصهيوني الصحيح على الأحداث الأخيرة، وهو الذي سيردع مَن يريد أن يكرّر مثل هذا الحدث». وتعليقاً على الحادثة، قال وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت: «سنزيد إجراءاتنا في الضفة في مواجهة محاولات إيران نشر الإرهاب نحو حدودنا».
وكان قد قُتل، صباح أمس، ثلاثة مستوطنين إسرائيليين في عملية إطلاق نار عند معبر «اللنبي»، استشهد منفّذها، وهو سائق شاحنة وصل من الأردن إلى المعبر، حيث «خرج من شاحنته وفتح النار من مسدس على الموجودين في الموقع»، قبل مرحلة التفتيش استعداداً للعبور. وعلى الأثر، فرض جيش الاحتلال طوقاً أمنياً حول مدينة أريحا، وأغلق المعبر، وكذلك فعلت السلطات الأردنية، في حين رجّح الجيش الإسرائيلي أن تكون الشاحنة مفخّخة؛ ولذا، أخضعها للتفتيش، من دون أن يعثر داخلها على أي مواد متفجرة. وإذ اتّخذت القوات الإسرائيلية «إجراءات أمنية مشدّدة» عند جانبَي المعبر بعد الحادثة، قالت إذاعة الجيش إنه «تم احتجاز السائقين والعمال الذين تواجدوا في المعبر، للاشتباه في علاقتهم بالعملية».
التصعيد في الضفة قد يفجّر الأوضاع إلى درجة اندلاع انتفاضة، بحلول الأعياد اليهودية، الشهر المقبل
وفي ظلّ الاحتجاجات الغاضبة والمتّسعة ضدّ رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، فقد استغلّها الأخير عبر وصمها بارتباطات خارجية، إذ كرّر القول، في مستهلّ جلسة الحكومة، إن إسرائيل «محاطة بأيديولوجيا قاتلة يقودها محور الشر الإيراني»، مجدداً أن حكومته مصمّمة على تحقيق «النصر المطلق» في إطار حربها المتواصلة على قطاع غزة منذ نحو 12 شهراً. واعتبر أيضاً أنه «من دون سيف، لا يمكن العيش في الشرق الأوسط». ووصف نتنياهو العملية، بـ«الصعبة»، قائلاً: «في الأيام الأخيرة، قَتل مخربون خبيثون ستة من الرهائن بدم بارد، وثلاثة من عناصر الشرطة الإسرائيلية (في إشارة إلى عملية ترقوميا). القَتَلة لا يميّزون بيننا، فهم يريدون قتلنا جميعاً، حتى آخر واحد؛ يميناً ويساراً، علمانيين ومتدينين، يهوداً وغير يهود». وختم تصريحاته، متسائلاً: «هناك من يسأل: هل ستظلّ الحرب إلى الأبد؟ في الشرق الأوسط، من دون سيف لا توجد أبدية».
ويبدو أن إسرائيل لا تتوانى عن الدفع في اتجاه حسم الصراع في الضفة الغربية، التي تظهر الساحة الأكثر سخونة في المرحلة الحالية، وسط احتمالات انفلات التصعيد فيها. وظهر ذلك خصوصاً في تصريح رئيس مجلس وادي الأردن الاستيطاني، ووزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، الذي قال عقب العملية إن «الحرب التي نخوضها ليست فقط ضدّ غزة وحزب الله، بل أيضاً في يهودا والسامرة. فقط في الأسبوع الماضي، طلبت من رئيس الحكومة أن تشمل أهداف الحرب تحقيق النصر أيضاً في يهودا والسامرة، وسأواصل النضال من أجل تحقيق ذلك». وحتى قبل وقوع العملية، أفردت وسائل الإعلام الإسرائيلية، أمس، مساحات للتقييمات والاتهامات التي وجّهها جيش الاحتلال والمؤسسة العسكرية إلى المستوى السياسي، وتحديداً وزيري المالية بتسلئيل سموتريتش، والأمن القومي بن غفير، بدعم من نتنياهو، بتصعيد الوضع الأمني في الضفة الغربية كلّها. وبحسب تحذير جيش الاحتلال، فإن هذا التصعيد قد يكون من شأنه أن يفجّر الأوضاع إلى درجة اندلاع انتفاضة، بحلول الأعياد اليهودية، الشهر المقبل، والاتّساع المتوقع في اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى وأدائهم صلوات يهودية فيه.
وفي هذا الإطار، ذكرت «القناة الـ12»، أمس، أن الجيش يوجّه «انتقادات شديدة» إلى الشرطة، لأنها لا تمنع صلاة المستوطنين في المسجد الأقصى، وتقوم بخرق «الستاتيكو» هناك، علماً أن ذلك يجري بتشجيع علني من بن غفير، الذي أعلن، الشهر الماضي، أن الوضع القائم تغيّر، وأن سياسته تقضي بالسماح لليهود بالصلاة، وأنه يريد بناء كنيس في المسجد. أما صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فقالت إن الهجمات الإرهابية التي ينفّذها المستوطنون ضدّ الفلسطينيين، إلى جانب اقتحامات الأقصى، تدفع الشبان الفلسطينيين إلى الانضمام إلى دائرة مقاومة الاحتلال ومستوطنيه. ونقلت عن ضابط كبير في قوات الاحتياط، قوله إن «هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، ونحن على شفا انفجار كبير» في الضفة. وأضاف الضابط نفسه أن «المستوى السياسي، وخاصة سموتريتش وبن غفير، يحاول أيضاً إشعال حرب يأجوج ومأجوج، والتي في أعقابها يُطرد جميع الفلسطينيين من يهودا والسامرة وقطاع غزة. وعندها، يصبح في الإمكان تحقيق حلم أرض إسرائيل الكاملة بسيطرة يهودية حصرية، وهكذا هما يعتقدان بجدية، وهذه وصفة لكارثة». وتحدّثت الصحيفة عن أن «إحباط الضباط الكبار من غياب قرارات في جميع المجالات من جانب المستوى السياسي، دفع ضباطاً كباراً في الأيام الماضية إلى دراسة ما إذا كانوا سيستقيلون». ومن جهته، ذكر موقع «واللا» أنه، منذ بداية الحرب، وقعت 4,973 عملية في الضفة، قُتل خلالها 38 مستوطناً، بينهم 12 جندياً و3 شرطيين، وأصيب 285 آخرون.