اليمن يختصر أنظمة العرب ـ عدنان الساحلي

الجمعة 29 كانون الأول , 2023 12:46 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
    يتصدر اليمن تاريخ العرب ما قبل الأسلام، فهو منبتهم وموطنهم الأبرز ومركز ممالكهم الأولى. منه تمددوا في كل الإتجاهات. وهو صاحب دور بارز في تاريخهم الحديث، فهو، رغم تعرضه للعدوان من تحالف "عربي"، الدولة العربية الوحيدة التي تقاتل إلى جانب غزة هذه الأيام، في معركة إحياء القضية الفلسطينية وتثبيت حق الفلسطينيين في وطنهم المحتل. بعدما أمعنت أنظمة التطبيع والإستسلام في إدارة الظهر لفلسطين وشعبها؛ وفتحت أبوابها للصهاينة الغزاة، ينفذون فيها مخططات توسعهم وأحلامهم العنصرية.
فمحور المقاومة، الذي يدعم غزة في معركتها، يتشكل من قوى شعبية مقاتلة في لبنان والعراق، فيما سورية الدولة، تعاني من وجود جيوش إحتلال أميركية وتركية و"إسرائيلية" وقوى تكفيرية وإنفصالية، تنتشر في اكثر من منطقة فيها. وإذا كانت مشاركة المقاومة في لبنان غزة معركتها، باعتبارها معركة كل فلسطين؛ ويفترض انها معركة كل العرب والمسلمين، لأنها دفاع عن الشعب الفلسطيني وعن مقدسات المسلمين والمسيحيين وفي مقدمها المسجد الأقصى، فهي فرصة للمقاومة في لبنان لمقاتلة عدو توسعي إستعماري، يحتل ارضاً لبنانية ويرتكب الإعتداءات بحق اللبنانيين، منذ أن وجد كيانه الغريب. كما أن مشاركة المقاومين في العراق، في التضامن الميداني مع غزة وفلسطين، هو عمل مكمل لقتال العراقيين الهادف إلى التخلص من الإحتلال الأميركي وهيمنته على العراق، باعتبار الإحتلالين الأميركي و"الإسرائيلي" واحداً، في عدوانهما وأهدافهما ومخططاتهما الرامية إلى السيطرة على بلادنا ونهب خيراتها والتسلط على شعـوبها. لذلك تأخذ المشاركة اليمنية المميزة في هذه المعركة، معان كثيرة تبدأ بتحديه للهيمنة الأميركية على المنطقة والتبني الأميركي للعدوانية "الإسرائيلية"، لتصل إلى كسر مشروع حرب "التحالف العربي"، الذي أنشأه الأميركيون والذي مارس العدوان والقتل والتدمير بحق اليمنببن منذ العام 2015.  
 تحرج صنعاء بدعمها للمقاومة في غزة وفلسطين، الأنظمة العربية الساكتة والمتواطئة. فهي العاصمة العربية الرسمية الوحيدة، التي تقاتل نيابة عن كل الدول العربية، رغم أنها تصنف في حسابات الجامعة العربية، من دول المساندة وليست من دول المواجهة، مع العدو الصهيوني. وهي في موقفها هذا، تشبه الجمهورية الإسلامية في إيران، التي تضع ثقلها في دعم المقاومات العربية، إستثناء عن كل الدول الإسلامية، التي تتعاطف شعوبها مع القضية الفلسطينية؛ وترتبط وجدانياً بالقدس والمقدسات الرازحة تحت الإحتلال الصهيوني.    
فرض اليمن حضوره في وجه الأميركيين و"الإسرائيليين" في القصف الصاروخي وإرسال الطائرات المسيرة، التي يستهدف بها جنوب الكيان المحتل. واستفز الأميركيين و"الإسرائيليين" أكثر، عندما أقام معادلة استراتيجية مهمة في باب المندب والبحر الأحمر وبحر العرب، بفرضه "حصاراً بحرياً" على "إسرائيل"، تمثّل باستهدافه السفن "الإسرائيلية"؛ وكذلك السفن المتجهة إلى موانئ الاحتلال، في حال عدم استجابتها لتحذيراته، وربط هذه التهديدات والاستهدافات بإيقاف العدوان على قطاع غزة وفك الحصار عنه، مما دفع واشنطن عبر وزير دفاعها، لويد أوستن، لإطلاق ما أسمته عملية "حارس الازدهار"، تحت مظلة القوات البحرية المشتركة وقيادة "فرقة العمل 153" التابعة لها، بزعم "حماية البحر الأحمر"، إلا أن الهدف الأساسي لواشنطن هو حماية "إسرائيل" كما أكدت صنعاء.
وفيما سعى الرئيس الأميركي جو بايدن لتقديم "رد دولي حازم"، على هجمات القوات المسلحة اليمنية، على السفن "الإسرائيلية"، أو تلك التي تبحر إلى "إسرائيل" عبر البحر الأحمر، بتشكيل قوة بحرية جديدة، أعلن العديد من حلفاء (أو أتباع) أميركا، بعد أسبوع فقط من إعلان التحالف، أنّهم "لا يريدون الارتباط بها علناً أو على الإطلاق"، بحسب وسائل إعلام أميركية.
كما أصدر اثنان من حلفاء أميركا الأوروبيين، الذين جرى إدراجهما كمساهمين في عملية "حارس الازدهار"، هما إيطاليا وإسبانيا، بيانات تبدو وكأنّهما ينأيان بأنفسهما عن القوة البحرية.
وكان "البنتاغون" الأميركي  قد أعلن أنّ القوة البحرية المزمعة، هي "تحالف يضم أكثر من 20 دولة". لكن ما يقرب من نصف تلك الدول "لم تعترف حتى الآن بمساهماتها، أو تسمح للولايات المتحدة بالقيام بذلك، مع العلم أنّ هذه المساهمات يمكن أن تتراوح بين إرسال سفن حربية إلى مجرد إرسال ضابط أركان"، وفق وكالة "رويترز"، الأميركية.
وعلى الرغم من أنّ بريطانيا واليونان ودول أخرى، وافققت علناً، إلاّ أنّ العديد ممّن ورد ذكرهم في الإعلان الأميركي، الذي ذكر 12 اسماً من أصل 20 دولة فقط، سارعوا إلى القول إنّهم "ليسوا مُساهمين بشكل مباشر". وأبرز المعترضين كان الغطاء العربي المطلوب، الممثل بمصر والمملكة السعودية. حيث أكد مسؤولون سعوديون وأميركيون، أنّ ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، غير مهتم بالانجرار مرة أخرى إلى صراع مع اليمن. فعودة الصواريخ اليمنية إلى التحليق فوق الرياض، أو ضربها منشآت نفطية السعودية، "هي آخر ما يحتاجه ابن سلمان، فيما هو يسعى لإقناع السياح والمستثمرين بأنّ المملكة مفتوحة للأعمال التجارية". حتى جيبوتي، الدولة العربية الصغيرة المشاطئة، رفضت المشاركة في العداء لليمن.
وحسب وسائل إعلام اميركية، فإنّ المخططين العسكريين الأميركيين، أعدّوا أهدافاً أولية لليمن، في حال قرر كبار المسؤولين في إدارة بايدن توجيه ضربات انتقامية، لكن المسؤولين العسكريين يقولون، إنّ البيت الأبيض لم يظهر أي رغبة في الرد عسكرياً على اليمنيين والمخاطرة بحرب إقليمية أوسع نطاقاً.
وبحسب الوكالات، فإنّ إحجام بعض حلفاء الولايات المتحدة عن ربط أنفسهم بالرد الأميركي، يعكس الإنقسامات التي أحدثها العدوان على غزة، وسط محافظة بايدن على دعم قوي "لإسرائيل" حتى مع تزايد الانتقادات الدولية لهجومها.
كما تشعر الحكومات الأوروبية بقلق بالغ، من أن ينقلب جزء من ناخبيها المحتملين ضدها، بعد تصاعد الغضب الشعبي من الهجوم "الإسرائيلي" على غزة. وأظهرت استطلاعات للرأي، أجريت مؤخراً، أنّ أغلبية كبيرة من الأوروبيين الغربيين، خصوصاً إسبانيا وإيطاليا، ترى أنّ على "إسرائيل" أن توقف العمل العسكري في غزة. كذلك، هناك قلق من أن تُصبح الدول المشاركة عرضةً لردٍ يمني. وهذا هو الحال أيضاً بالنسبة إلى الهند، التي من غير المرجح أن تنضم إلى تحالف واشنطن البحري؛ وفقاً لمسؤول عسكري هندي كبير، أشار إلى أنّ "الحكومة تشعر بالقلق من أنّ التحالف مع الولايات المتحدة قد يجعلها هدفاً أكبر". فصنعاء حذرت  الولايات المتحدة وشركائها من مغبة عسكرة البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن؛ والإضرار بأمن الملاحة الدولية، خدمةً للكيان "الإسرائيلي" المحتل. والواقع أن وجود الفرقاطات الأميركية والفرنسية والبريطانية؛ والقواعد العسكرية الغربية في الضفة الأخرى من البحر الأحمر، لم يستطع منع عمليات اليمن الداعمة لغزة.
    والسلاح الأمضى بيد اليمن، هو إنقلاب الموقف على التحالف الأميركي، في حال نشوب حرب في باب المندب والبحار المجاورة، لأن عسكرة البحر الأحمر وباب المندب وربما خليج عمان، يعني إقفال الطرق أمام ناقلات النفط والغاز وحدوث أزمة عالمية، سيتضاعف فيها سعر برميل البترول؛ وستستهدف فيها آباره، إلى حدود لا تتحملها إقتصادات دول العدوان المشاركة في هذا التحالف، الذي يبدو مؤكداً فشله، مثلما فشل التحالف الذي قادته السعودية والإمارات في فرض مشيئته على اليمنيين.
ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، ركزت الولايات المتحدة وحلفاؤها على اعتراض صواريخ اليمنيين وطائراتهم المسيرة، لكن يستبعد المراقبون والمحللون تطور الموقف أكثر، فلليمن اليد الطولى في مجاله الحيوي. والأهم، أن الولايات المتحدة وحلفاؤها، لا يستطيعون الاستمرار في عملهم الدفاعي هذا، أي في إنفاق أعداد كبيرة من الصواريخ الباهظة التكلفة، التي تبلغ قيمة الواحد منها ملايين الدولارات، للقضاء على طائرات من دون طيار، لا تتجاوز تكلفتها ألف دولار.
    والمسؤولون اليمنيون يؤكدون ويكررون، أنّ موقفهم بشأن البحر الأحمر ثابت وهو موقف سيادي. وأنّ القوات المسلّحة اليمنية في جاهزية عالية وعلى أهبة الاستعداد القتالي، للتعامل مع كل الخيارات والفرضيات المحتملة. وان لا خطوط حمراء أمامها. وكل الاحتمالات مفتوحة ومدى أسلحتها الاستراتيجية أبعد مما هو متوقع.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل