الثبات ـ اقتصاد
بعد تراجع القيمة الشرائية لليرة السورية خلال عام 2023 بشكل ملحوظ، نجحت الحكومة السّورية في لجم التخبّط الحاصل في سعر الصرف، كذلك عملت في الفترة الماضية على تحقيق مطلب هام سبق أن طالب به السوريون، ألا وهو تثبيت سعر الصرف عند عتبة معينة، ليتحقق ذلك خلال الأشهر القليلة الماضية حين نجحت دمشق في ثبيت سعر صرف ليرتها عند عتبة 14000 ليرة سورية.
جاءت تلك النتائج بعد جملة من القرارات الحكومية في العام 2023، كان منها رفع القسم الأكبر من الدعم الحكومي عن قطاع المحروقات، كالبنزين والغاز والمازوت، والتحكم بالمعروض النقدي، إضافةً إلى اتخاذ سياسات مالية انكماشية قدر المستطاع، واتباع سياسة جديدة لتمويل المستوردات.
إنجازات تحقّقت، وسلبيات تعمّقت خلال العام الجاري، ومعها لم تتمكن الحكومة السورية الحالية من زف البشائر الاقتصادية للعاملين في القطاع الحكومي بشكل كافٍ،إذ بقيت غالبيتهم تعاني أزمة مالية متصاعدة باستمرار، خصوصاً مع ارتفاع أسعار الأدوية والاتصالات و المواصلات، إضافةً إلى شريحة الخضار والفواكه والمواد الغذائية الضرورية التي ازدادت تكاليف نقلها وتسويقها وصولاً إلى حلقة المستهلك.
لذا، وأمام كل تلك التحديات، رأى الخبير الاقتصادي السوري جورج خزام أنّ محاولات زيادة القوة الشرائية لليرة السورية وزيادة الرواتب الحكومية ستبقى صعبة التحقيق والمنال في الوقت الحالي، إن لم تعمل الحكومة بشكل جدي و إسعافي على النهوض بالواقع الكهربائي في سوريا بشكل حقيقي ومُتسارع يحقق تربة خصبة للصناعيين والتجار لتحثهم على البقاء في سوريا، الأمر ذاته الذي سيشجع المغتربين السوريين من أصحاب رؤوس الأموال الضخمة للعودة إلى وطنهم الأم و تدوير عجلة إنتاجهم ضمن أراضي البلاد.
ومن خلال منشورات عِدة نشرها على منصة فيسبوك، أوضح الخبير خزام أنّ بداية أي إصلاح اقتصادي يجب أن يرتبط بزيادة إنتاج الكهرباء التي تُعدّ النواة الأولى لأي نشاط اقتصادي، في حين اقترح خزام أن تقوم الحكومة السورية بالعمل على تركيب عشرات التوربينات الهوائية الضخمة عند البوابة الهوائية غربي مدينة حمص، وذلك كمرحلة أولى، معتبراً أن تلك الخطوة (إن تمت) لربما قد تلقى معارضة كبيرة من بعض تجار الأزمات والبطاريات و "الأمبيرات" الذين يتطلعون إلى أن تبقى تجارتهم رابحة من دون منافس خلال الـ50 سنة القادمة!.
واستطرد خزام قائلاً إنّ توفير الكهرباء بشكل وافٍ وكافٍ، سيؤدي إلى زيادة الإنتاج في المصانع السورية وزيادة نسبة العرض في الأسواق، كما أنّ تأمين الكهرباء بأسعار مقبولة سيؤدي إلى انخفاض الطلب على المحروقات بشكل كبير نتيجة عدم حاجة أصحاب الفعاليات الصناعية والتجارية لتشغيل مولداتهم الكهربائية الخاصة، ما سيؤدي بدوره في نهاية المطاف إلى تخفيض أسعار جميع المنتجات السورية، نظراً إلى انخفاض تكاليف إنتاجها وتسويقها، لدرجة قد نرى فيها المنتجين السوريين قادرين على تصدير الفائض من منتجاتهم بأسعار منافسة حتى في الأسواق الخارجية.
وأضاف خزام أن تلك الخطوات السابقة إن تمّ العمل بها سريعاً، ستساهم في تحفيز الاستثمارات وتقليص هجرة رؤوس الأموال و الكفاءات العلمية والفنية والمهنية من سوريا، وبالتالي ستُسهم تلك الخطوات في تعزيز البنية الاقتصادية و المجتمعية أيضاً.
وفي السياق ذاته، طالب عدد من أصحاب الفعاليات الصناعية والتجارية والسياحية الحكومة السورية، بالتعاقد مع شركات كبرى في الدول الصديقة وذلك بهدف بناء محطات كهربائية نووية أو شمسية، أو عنفات هوائية باستطاعات عالية، لتؤمن كامل حاجة سوريا من عصب الحياة والصناعة.. ( الكهرباء) .
من جهته، أكد رئيس غرفة صناعة حلب، المهندس فارس الشهابي، أنّ المطلوب من الحكومة السورية الحالية هو الرعاية قبل الجباية، فكيف يمكن للصناعي أن يستمر بمشروعه من دون توفر الكهرباء بشكل مستقر، هذا وطالبَ المهندس شهابي، بتأمين الديمومة الكهربائية للمدينة الصناعية بحلب، كونها كانت ولم تزل إحدى أهم دعائم الاقتصاد الوطني السوري.
وخلال استطلاع آراء الشارع السوري، رأى العديد من المواطنين أنّ دعم أي حكومة للشركات الصغيرة والمتوسطة يجب أن يبدأ من خلال تخفيض الضرائب وتوفير الرخص والامتيازات للمشاريع الاستثمارية بشكل سلس وبسرعة لا تعرقلها أي إجراءات بيروقراطية معقدة، في حين تفاءل عدد آخر من المواطنين بأن تحقيق ثبات في سعر الصرف ( إن استمر) ستكون له انعكاسات إيجابية واضحة وملموسة على صعيد الادخار بالليرة السورية، الأمر الذي سيدفع العديد من المواطنين إلى إيداع ملايين الليرات في البنوك وعدم الحاجة إلى استعمال أي عملات أجنبية أخرى.
ولدى سؤاله عن الإجراءات الإيجابية الناجحة التي اتخذتها الحكومة السورية خلال العام 2023، أجاب الخبير الاقتصادي وأستاذ علم الاقتصاد في جامعة حلب وعدد من الجامعات السوريّة، الدكتور عبد الرؤوف نحاس، أنّ الفريق الاقتصادي دأب على كبح جماح سعر الصرف خلال العام 2023 من خلال إجراءات اقتصادية عديدة كان منها:
1- اتباع سياسة جديدة لتمويل المستوردات في سوريا، وذلك باعتماد الليرة السورية في التمويل عوضاً عن الدولار .
2- استخدام سياسة مالية حكيمة عن طريق الرقابة الضريبية، ومنح إعفاءات كبيرة جداً للمزارعين، وبعض الصناعات الاستراتيجية.
3- التحكم بالمعروض النقدي بشكل جيد.
4- تشجيع التصدير وذلك بمنح المصدّرِين القدرة على الاستيراد من دون اللجوء إلى المنصة ( بما يعادل نصف قيمة صادراتهم ) .
5- اتخاذ سياسة نقدية انكماشية وذلك بعدم السماح بسحب مبالغ كبيرة من الحسابات الجارية، كان آخرها قرار البنك المركزي السوري تحديد سقف السحوبات من الصرافات الآلية بمبلغ 200 ألف ليرة كحد أقصى، وذلك تشجيعاً على التعامل بالدفع الإلكتروني الذي يتيح للمواطنين تسديد قيمة مشتريات بملايين الليرات من خلال تطبيقات إلكترونية خاصة بالبنوك، أو من خلال بطاقات الدفع المعتمدة عند معظم نقاط البيع المنتشرة في محطات الوقود والمطاعم والمشافي و الأسواق.
في نهاية المطاف، تبقى آمال السوريين معلقة على شجرة العام 2024، علّها تحمل لهم حلولاً جذرية مُنعشة للاقتصاد، تنتشلهم من الضغوطات الاقتصادية المتزايدة التي تؤرق أجفانهم، علّهم يستطيعون أن يغفوا من دون هواجس تتفاقم يومياً، نتيجة التفكير والبحث المستمر عن مستقبل زاهر يحمل البشرى والاطمئنان لهم و لأطفالهم .