أقلام الثبات
نفذت حركة "حماس" ومعها قوى المقاومة الفلسطينية، عملية "طوفان الأقصى" البطولية، ضد قوات الإحتلال "الإسرائيلي" ومستعمراته، في محيط قطاع غزة، فلم يقتصر الرعب والضياع على كيان العدو "الإسرائيلي"، بل إمتد ليشمل رعاة هذا الكيان في الغرب وفي الولايات المتحدة الأميركية، الذين سارعوا لإرسال أساطيلهم وحشد قواتهم العسكرية، مهددين كل من يستغل الفرصة، للإنقضاض على الكيان الصهيوني وتحصيل حقوق الشعب الفلسطيني، في إسترجاع أرضه ووطنه والعودة إليها.
لكن اللافت أن ذلك الرعب أصاب وكما بدى ظاهراً للعيان، بعض الأنظمة العربية التي سبق أن صنعها الإستعمار الغربي، مثلما صنع الكيان الصهيوني؛ فوقعت في حيرة من أمرها، بين خيارين: الأول، أن تتهجم على "حماس"، من خلال أبواقها الإعلامية وذبابها الألكتروني؛ ومن خلال أتباعها والمتعيشين على تمويلها، رفضاً للحرب ولما تسميها "المغامرة"، مثلما فعلت مع المقاومة في لبنان عام 2006. وكان ذلك غطاء واضحاً من تلك الأنظمة العربية، للعدوان على لبنان. أما الخيار الثاني، فهو المزايدة على محور المقاومة عموماً وعلى المقاومة في لبنان بالتحديد، طالبة منها شن حرب مفتوحة على العدو، من دون أن تسأل تلك الأنظمة وأصواتها وأتباعها، ما الذي سيقدمونه لفلسطين وقضيتها في تلك الحرب، إذا فتحت على مصراعيها. ومتجاهلة في الوقت نفسه، أن "حماس" حددت غاية عمليتها بهدفين، الأول، إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في سجون العدو. والثاني، وقف تعديات المستوطنين الصهاينة على المسجد الأقصى.
كان مجرد حضور اساطيل أميركا ودول الغرب إلى المنطقة، إعترافاً بأن هذا الكيان الغريب الذي زرع في فلسطين، غير قادر على العيش والبقاء، من دون الحماية الغربية والأميركية، بما فيها من رعاية وتسليح وتمويل. بل وحتى إرسال الجنود اليهود، المجندين في جيوش تلك الدول، للإلتحاق بجيش العدو، باعتبارهم جنوداً إحتياط فيه. فالكيان الصهيوني، الذي أقيم على أرض فلسطين وعلى حساب شعبها، هو في كل الحسابات العربية والغربية، قاعدة عسكرية متقدمة للغرب وللولايات المتحدة الأميركية، تنوب عن وجوده الإستعماري القديم، في دوره ووظائفه، فكان نشر القواعد العسكرية الأميركية والغربية، في بعض الدول العربية؛ وإنشاء هذا الكيان على أرض فلسطين، مشروعاً متكاملاً، لحماية مصالح الغرب وأطماعه.
من هنا تبرز حقيقة أن الإنهزاميين الرافضين للحرب ضد العدو الصهيوني؛ وكذلك المزايدين على محور المقاومة لتوسيع دائرة الحرب، فيما هم في أبراجهم العاجية، هم وجهان لعملة واحدة. فهم بالتحديد تلك الأنظمة والشرائح والعائلات الحاكمة، التي أورثها الإستعمار القديم السلطات مكانه؛ وربط مصالحها بمصالح الكيان الصهيوني. وبات وجودها يرتبط بوجوده، تحميه من القوى المقاومة الرافضة لوجوده؛ ويحميها عندما تغضب شعوبها وتثور رفضاً لخيانتها وتسلطها.
واللافت، أن إعلام هذه الجهات لم يستطع أن يكبح حقده على شهداء غزة، فهم عنده قتلى. أما قتلى العدو "الإسرائيلي" فهم ضحايا. وفي عرفها، أن لهذا العدو الحق المطلق بالدفاع عن نفسه ومستوطنيه، القادمين من بلاد غريبة، فيما لا يحق للفلسطيني أن يطالب بإعادة أرضه وبيته؛ وبأن يحمل السلاح ويقاتل لتحصيل هذا الحق. فقتال الشعب الفلسطيني لإستعادة حقه وتقديمه أغلى ما عنده من دماء وارواح، هو في لغة المتصهينين العرب، مشروع إيراني، لأن إيران لم تتأخر في توفير الدعم الللازم لقوى المقاومة، بعد أن تخلف معظم الحكومات العربية عنه.
ومما زاد في حقد جماعات أميركا في لبنان والمنطقة العربية، على ثوار غزة ومجاهديها، أن عمليتهم البطولية عطلت خيانات جديدة كان يتم التحضير لها. وها هو الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن أن حرب "حماس" عطلت "مشروع سلام" بين العدو "الإسرائيلي" والمملكة السعودية. فيما جيوش انظمة أخرى تقف حارسة لحدود كيان هذا العدو. ولذلك، فإن الرد الإجرامي الصهيوني على المدنيين في غزة، كان تعبيراً عن مدى الرعب الذي أحدثته بطولة المجاهدين الفلسطينيين، في صفوف محور اميركا وصهاينتها. مثلما صدموا بالهدنة التي إضطر الكيان الصهيوني إلى القبول بها، لأنها كانت تعبيراً واضحاً عن فشله العسكري، في تحقيق الأهداف التي اعلن أنه يسعى إليها في حربه على غزة. مما خيب آمال حلفائه، الذين راهنوا دائماً على هزيمة المقاومة.