الثبات ـ فلسطين
أنهت ملحمة "طوفان الأقصى" نهارها الخامس، في أطول أيام تمرّ على "إسرائيل" منذ احتلال فلسطين عام 1948، بشهادة كبار محلّليه وخبرائه.
ولكن هذه الأيام الخمسة، وإنّ كانت حسمت الجدال بشأن أسئلة كبيرة وأساسية، كإمكانية هزيمة الاحتلال واسترجاع الأراضي المحتلة، وقدرة الفلسطينيين على التفوّق على آلة الحرب الإسرائيلية المعقّدة وقدراتها الاستخبارية والاستطلاعية، ولكنّها فتحت أسئلة أكبر، لا تزال حتى الساعة أجوبتها معلّقة على مروحة احتمالات واسعة، مع استمرار وتيرة الحرب بالتصاعد ورقعة المواجهات بالتوسّع.
إذ تبرز اليوم، بعد مضي أكثر من 100 ساعة على إطلاق العملية العسكرية الأوسع ضدّ الاحتلال الإسرائيلي منذ 1973، والتي فاقت بتبعاتها وصدمتها كل الأعمال التي قامت بها المقاومة في تاريخ الصراع، أسئلة أساسية لاستشراف الوضع الذي قد تنزلق إليه الأحداث في فلسطين والمنطقة من جراء "طوفان الأقصى".
فأين تكمن حقيقة الإنجاز على المستويين الأمني والعسكري للمقاومة؟ وهل تدخل إيران أو سوريا أو حزب الله، حلفاء المقاومة الفلسطينية وداعموها الأساسيون، مباشرة في معادلة الحرب القائمة؟
ثمّ ما حقيقة الدور الأميركي في الصراع الدائر اليوم، وأي أهمية لإرسال حاملة الطائرات الأميركية "فورد" ومجموعتها البحرية إلى غربيّ المتوسط؟ وما هي الخسائر التي منيت ويحتمل أن تمنى بها "إسرائيل" بسبب هذه المعركة وسيناريوهاتها، وأي آثار ستتركها على وعي الكيان، وكيف سيكون ردّ فعله على الكارثة التي ألمّت بقيادته وبمستوطنيه على حدّ سواء؟
معالم الإنجاز الأمني والعسكري في "طوفان الأقصى"
هذه العملية تعرّف في العلوم العسكرية بأنها "غزوة"، أكبر من إغارة وأقل من هجوم شامل للسيطرة على أرض والبقاء فيها، شملت مساحة 600 كم مربّع في غلاف غزة، وأكثر من 14 مستوطنة وكيبوتس،إضافة إلى مواقع عسكرية مهمة في محيط غزة، يؤكد الخبير العسكري العميد المتقاعد الوليد سكرية للميادين نت.
ويضيف أنّ "الأعداد التي شاركت في هذه الغزوة، بحسب حجم المنطقة المستهدفة والعدو، كان يجب أن تكون نحو 2000 إلى 3000 آلاف مقاتل، خاصة في حال التمسّك بالمستوطنات المحررة"، ولكنّ الإعلان الإسرائيلي عن أن 1000 مقاتل فلسطيني نفّذوا الهجوم، في حال كان الرقم صحيحاً، يعني أنّ هناك إنجازاً على مستويات عديدة أبرزها التدريب والقدرة البشرية للمقاتل الفلسطيني، كما يعني أنّ هدف العملية لم يكن السيطرة والبقاء، على الأقل في المستوطنات البعيدة.
ويتابع أن "النجاح الذي حقّقته هي في المفاجأة الاستراتيجية، بأنّ المقاومة جمعت قوتها وهاجمت ونفّذت في وقت كان العدو في كامل جهله بشأن ما يحصل، وعاجزاً عن معرفة ما يحصل ومعرفة الخطة والإمكانات، وعاجزاً عن تحقيق الاستنفار الذي يمكّنه من مواجهة الهجوم".
ولفت العميد سكرية إلى أنّ "المقاومة تمكّنت، في بيئة تعتبرها إسرائيل سهلة الاختراق الأمني والرصد وتملك فيها سيطرة استخبارية كبيرة، من بناء هذا الجهاز العسكري بشكل مؤتمن على السرية وواعٍ للتدابير الأمنية والاحتياطية، وفي ظروف معقّدة من الإعداد الأمني والعقائدي والمتابعة التفصيلية والعزل على مستوى عدم إفشاء أسرار القوة الموكلة بهذا الهجوم على مدى سنوات حتى ضمن المقاومة الفلسطينية نفسها".
كما كان لاختيار عيد يوم السبت اليهودي مساهمة في تحقيق عامل المفاجأة، على الرغم من أنّ القوات العربية في 1973 اعتمدت الأسلوب نفسه، ولكن الاحتلال لم يكن جاهزاً، إضافة إلى اعتماد المقاومة على أساليب جديدة في الاقتحامات أبرزها الطائرات الشراعية.
وقد اعتمدت المقاومة الفلسطينية في هذا الهجوم على إمطار صاروخي فعّال في بداية الهجوم، حيث تحدّثت أوساط الاحتلال عن إطلاق آلاف الصواريخ خلال نصف ساعة، ما أدى إلى تعطيل القبة الحديدية الإسرائيلية وإفشال فعاليتها.
ولفت سكرية إلى أنّه "في حال تمكّن قطاع غزة المحاصر والضيّق من إطلاق نحو 5000 صاروخ، فيمكننا أن نتوقع أنّ المقاومة في الجبهة الشمالية لإسرائيل قد تتمكن من إطلاق نحو 20 أو 30 ألف صاروخ خلال نصف ساعة، ما يعني أنّ الوضع سيكون كارثياً على الاحتلال في حال توسعت الحرب، ولا سيما مع وجود تهديد حقيقي للكيان من سوريا والعراق واليمن، فضلاً عن إيران".
ونفى سكرية أن يكون المقاتلون الفلسطينيون تعمّدوا القتل الممنهج للنساء المستوطنات، مؤكداً أن المشاهد التي وصلت تظهر كيف أنّ مقاتلي المقاومة في أكثر من مكان كان بإمكانهم قتل عشرات المستوطنات الإسرائيليات، ولكنّهم اكتفوا باحتجازهنّ في الملاجئ مع أطفالهنّ، ونقل بعضهنّ أسيرات إلى غزة".
وقد شكّل عدد القتلى والأسرى والخسائر المختلفة من قبل "أضعف موقع في محور المقاومة، قطاع غزة المحاصر والمراقب والمكتظّ، صدمة كبرى للاحتلال، شكّلت أحد أبرز معالم الإنجاز العسكري وأحد المفاجآت الكبرى في المعركة".