الثبات ـ فلسطين
تنتهك قوات الاحتلال حقوق الإنسان للأسيرات بشكل مطلق وتحرمهم من أبسط حقوقهم في السّجون.
بمناسبة حلول اليوم العالميّ لمكافحة العنف ضدّ المرأة، ولكون النساء الفلسطينيّات والأسرى منهنّ على وجه الخصوص مصداقاً بارزاً للسيّدات اللواتي يتعرّضن للعنف المُنظّم من قبل إسرائيل، ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقابلة مع الصحفيّة والأسيرة الفلسطينيّة المُحرّرة السيّدة سوزان العويوي تتناول الحديث حول ظروف اعتقالها والفترة التي أمضتها في السّجون الإسرائيليّة، والدوافع التي جعلتها تتحمّل الأعباء والمشقّات إضافة إلى شرحها الأبعاد المختلفة لأعمال العنف التي تمارسها قوّات الاحتلال ضدّ الأسيرات الفلسطينيّات.
في البداية أود أن أسأل أين وكيف تم اعتقالك وأسرك؟ كم هي الفترة التي أمضيتها في السجن، ومتى تم إطلاق سراحك من سجون الإحتلال الصهيوني؟
حياكم الله. معكم «سوزان العويوي» من مدينة الخليل، مدينة سيدنا إبراهيم (ع). لقد تم إعتقالي بتاريخ 5/6/2018 من بيتي في شهر رمضان المبارك، أي في اليوم الـ20 من الشهر الكريم، وبعد تحقيق لمدة شهر كامل في سجن "عسقلان" تم اعتقالي لمدة عام. غادرت السجن بتاريخ 13/5/2019.
لقد تعرض لك قوات الإحتلال الصهيوني قبل أن يتم اعتقالك، وكذلك تم اقتحام منزلك ومصادرة أجهزة حاسوب خاصة بك قبل ترشّحك للانتخابات البلدية في مدينة الخليل، ولكنك لم تستسلمي، وتحدثتي سابقا أمام وسائل الإعلام عن اتصالات وتهديدات تلقيتها على هاتفك المحمول من أشخاص ادعوا أنهم من مخابرات الإحتلال، وقد طالبوك بالانسحاب من القائمة، وإلا لن يحصل ما يُعجبك، ومع ذلك استمريتي في هذا الطريق من دون خوف. ما الذي جعلكِ تستمرين في مسار النضال كإمرأة فلسطينية رغم كل هذه الأحداث ورغم كل هذه الضغوط التي مورست ضدك؟
صحيح. في العام 2016 بعد إصدار الحكومة الفلسطينية لقرار إجراء الإنتخابات للهيئات المحلية في بلديات الضفة الغربية كنت أجد نفسي أن لدي القدرة لأخوض هذه الإنتخابات كعضو مرشح عن مدينة الخليل باعتبار أنني أحمل ماجستير «بناء مؤسسات وتنمية موارد بشرية» وبكالوريوس إدارة أعمال ودبلوم برمجيات وقواعد بيانات ودبلوم دراسات اللاجئين الفلسطينيين ودبلوم دراسات البیت المقدس ودبلوم صحافة، ولديّ العديد من الشهادات والمؤهلات الجامعية والشخصية التي تؤهلني لخوض هذه التجربة. [لذلك] قرّرت المشاركة بها، لكنني تفاجأت بدايةً باقتحام بيتي للأسف من قبل جنود السلطة الفلسطينية. من أسوأ ما تعرضت له منعي من السفر، وبالتالي حرماني من إكمال دراستي والحصول على الدكتوراه. على أي حال بالمجمل، تم اقتحام بيتي عام 2016 من قبل عناصر السلطة الفلسطينية، وفي عام 2018 تم اقتحام بيتي من قبل قوات الإحتلال.
وفي يوم تسجيل القائمة رسميا لدى لجنة الإنتخابات المركزية تم الاتصال بي من قبل ضابط مخابرات، وبما أنه كان مجهولاً في البداية لم أجب على الاتصال ثم أَرسل لي رسالة نصها يقول: «سوزان أنا كابتن أديب ردي أحسن لك» وكان نص الرسالة بصيغة التهديد، هو عرّف بنفسه أن ضابط إسرائيلي إسمه «كابتن أديب»، وطلب مني أن أرد على اتصاله وقال أفضل لك الإجابة على اتصالي. أعاد الاتصال بي وبدأ بالصياح والصراخ لأنني لم أستجب لاتصاله أول مرّة فأخبرته أنني لا أجيب على الأرقام المجهولة، فبدأ بالتهديد وأخبرني أنّه يمنعني من خوض تجربة الإنتخابات البلدية في الخليل، وكان ردّي بأن هذه الإنتخابات بلدية وليست إنتخابات لمستوطنة من مستوطناتهم وليست إنتخابات إدارة مدنية، ومن حقي كمواطنة فلسطينية كاملة الأهلية المشاركة فيها، ولا يوجد ما يمنعني من هذه المشاركة. طبعا كانت لدي قناعة مطلقة بأنه لا بدّ من المشاركة في الإنتخابات. على العكس، هذا الاتصال زاد لدي من روح التحدي والإقدام لإكمال هذا المسار، ولم أجد أي مانع يمنعني من المواصلة والعمل به ولاحقا تم إستدعاء زوجي للمقابلة وتهديده لأجلي.
تقول أختك السيدة "رقيه العويوي" في وصفك: "من يعرف سوزان يدرك أنها سيّدة قُدّت من فولاذ، لم يثنها اعتقال أو تحقيق، ولم تكسر معنوياتها السجون ولا أبناء صهيون ولا البُعد عن الأطفال والأسرة. ما هي الدوافع التي جعلتك تتحملين كل هذه الأعباء والمشقات والصعوبات و تستمري في النضال؟
الدوافع كثيرة جداً، أولاً إيماننا بالله وإيماننا المطلق بهذه الأرض، وبهذا الوجود وإيماننا بقدراتنا الذاتية والشخصية وبمؤهلاتنا التي تسمح لنا بتصدر المواقع القيادية لدينا في مدينة الخليل، ثم أن حق الترشح لأي إنتخابات هنا في الخليل هو حق مضمون وحق مكفول للجميع، ولا يوجد ما يمنعني، فلماذا لا أستكمل مسيري ولماذا لا أكمل هذا الطريق. إضافة إلى ذلك، لابد من الإشارة إلى روح التحدي التي زرعها [في داخلي] الاتصال من قبل سلطات الإحتلال وتهديدهم لي.
لقد نُشرت تقارير متعددة حول ممارسة التعذيب ضد الأسرى الفلسطينيين خاصة الأسيرات الفلسطينيات على أيدي قوات الإحتلال الصهيوني. أنت بصفتك إمرأة عاشت تجربة الأسر في سجون الصهاينة كيف يمكنك أن تشرحي الأبعاد المختلفة لأعمال العنف التي تمارسها قوات الإحتلال ضد الأسيرات الفلسطينيات؟
طبعاً أعمال التعذيب التي تُمارس ضد الأسرى والأسيرات شديدة ومبالغ بها. يتم اعتقال الأسيرات الفلسطينيات بنفس الطريقة التي يتم بها اعتقال الأسرى الفلسطينيين الرجال، بنفس الطريقة وبنفس التفاصيل وبنفس أماكن الاحتجاز. تجربة التحقيق هي تجربة قاسية وأنا شخصيا عشت هذه التجربة المرّة. لا يستطيع الإحتلال، نوعا ما في الفترة الحالية، ممارسة التعذيب الجسدي إلاّ بأوامر من المحكمة، لكنه يمارس التعذيب بصور أخرى وبصور مختلفة. أولاً سياسة العزل الإنفرادي داخل صناديق إسمنتية مغلقة يُسمونها زنازين، هي محكمة الإغلاق لا يوجد بها نوافذ لا يوجد داخلها أي مقوّم يساعد على الحياة، لونها قاتم وجدرانها خشنة جداً ومليئة بالحشرات التي تؤذي الأسير والأسيرة، والأغطية خشنة جداً وقليلة وغير مريحة وغير مناسبة. وجود الحمام داخل الزنزانة أمر سيّئ جدا والمياه سيّئة وقذرة ولها رائحة مزعجة جداً ونوعية الطعام رديئة جداً كمّاً ونوعاً. لا يُقدم طعام مناسب للأسرى والأسيرات أبداً، وهو أيضاً غير نظيف، كما أن قوات الإحتلال تمنع الأسرى والأسيرات من النوم المتواصل من خلال افتعال الإزعاج خارج الزنازين، يصدرون الأصوات بشكل مستمر ويمنعون الأسير من النوم، إضافة لمشكلات أماكن الاستحمام. لا يوجد أماكن مناسبة للاستحمام بالسجن أو بمراكز التحقيق حيث لا يوجد هناك مواد تنظيف، وهذه الأماكن متسخة جداً وأدوات الاستحمام غير متوفرة أبداً. طبعاً، صعوبة التنقل وصعوبة الحركة، النقل للمحاكم خلال فترة التحقيق وما بعد فترة التحقيق عملية صعبة جداً، متعبة ومؤلمة جداً حيث كنت أعاني منها خلال الصيف وخلال الشتاء. كنت أثناء الشتاء أتعرض لبرد شديد جداً حيث أشعر بأنه قد وصل لعظامي، أشعر بتجمّد عظامي من شدة البرد الذي كنا نتعرض له حيث لا يوجد أية وسيلة للتدفئة. علاوة على ذلك كانت سيارات «البوسطة» أي مركبات نقل الأسرى بين السجون أو بين السجون والمحاكم غير مريحة وغير مؤهلة للنقل، المقعد في «البوسطة» غير مريح يتسبب [للأسير والأسيرة] بالدوار والغثيان والقيء خلال فترة التنقل. بشكل عام، كانت «البوسطة» مزعجة ومؤلمة جداً.
إذا أردنا أن نتحدّث عمّا تعانيه الأسيرات، فلا بد أن نطرح عدّة نقاط. تبقى الإضاءة داخل الزنازين مضاءة طيلة الـ 24 ساعة، وأخبرتك سابقاً أن الزنازين هي عبارة عن صناديق إسمنتية مغلقة، إما أن تُقطع الكهرباء فيها لساعات، وبالتالي لايستطيع الأسيرة والأسيرة أن يرى أيّ شيء مهما كان، أو تبقى الإضاءة مستمرة خلال 24 ساعة بشكل متواصل. فيما يخص الطعام ذكرت آنفا أن الطعام، كمّا ونوعاً، سيّء جداً والمياه مُتّسخة، ولابد من الإشارة إلى عدم توفر الطبيب. أي عندما كنّا نعاني من أي معاناة، كانوا يأخذوننا إلى مكان يسمونه عيادة طبية لكنّها في الحقيقة هي مكان لا يمّت للطب بصلة، وليس هناك الفحص السريع المناسب ولا يُقدَّم العلاج المناسب ولا يوجد طبيبة نسائية أو حتى طبيب نسائي في السجن، والأدوية التي تُقدم للأسرى هي، كما علمت لاحقاً، أدوية يُمنع تداولها لدى مواطني الإحتلال، يُمنع تداولها ويُمنع بيعها وشرائها للمرضى الإسرائيليين لكنها تُفرض على الأسرى والأسيرات الفلسطينيين ولا يوجد لها بدائل، أي أنّه يُمنع أيضاً إرسال الأدوية للأسرى من الخارج من خلال أهله أو من خلال محاميه. هناك أيضاً رطوبة عالية في السجن داخل الزنازين، وقد عرفت ذلك بعد الانتقال من فترة التحقيق ونقلي إلى سجن هاشارون، الذي يقع على القرب من الساحل الفلسطيني، عرفت أنّه مُقام على مضخة الصرف الصحي مما يتسبب بوجود رائحة سيئة جداً في داخل السجن أغلب الوقت. كما قلت الرطوبة عالية جداً، طبعاً كُنّا هناك مضطرين لشراء أغلب الاحتياجات من مقصف السجن على حسابنا الخاص بتكلفة عالية جداً.
إضافة إلى ذلك تمنع إدارة السجن إدخال الملابس للأسيرات إلّا 4 مرات في السنة، وتشترط إخراج الملابس القديمة بدل الجديدة وهذا يتسبب للأسيرات بأزمة سببها نقص الملابس أحيانا نتيجة تأخير إدخال ملابس جديدة مع بداية كل فصل من فصول السنة، بمعنى أنه يأتي الصيف ولا يوجد لدى الأسيرة أيّة ملابس صيفية أو العكس، وعند وصول أسيرة جديدة للسجن هي لا تمتلك أية ملابس ولا يوجد لدى الأسيرات ما يقدمنه لها بسبب عدم وجود فائض لديهن نتيجة لسياسة إدارة السجن. إضافة إلى ذلك، عدم وجود الأحذية إلاّ أحذية رياضية فقط بسعر غالٍ جداً بحيث لا تلبي رغبة الأسيرات بتوفرها.
بعد تم نقلي إلى سجن الدامون، كان أسوأ ما فيه وجود رطوبة وتعفن في زنازين السجن، ووجود كمية ضخمة جداً من الصراصير والحشرات في الزنازين، الساحات غير مهيئة وفيها كاميرات تنتهك خصوصية الأسيرات، الأرض زلقة جدّاً تتسبّب بوقوع الأسيرات وإصابتهن خلال الوقت الذي يُسمح خلاله للأسيرة بالخروج من زنزانتها لساحة السجن. على أي حال وبالإجمال، تَنتهك قوات الإحتلال حقوق الإنسان بحق الأسرى والأسيرات بشكل كامل وبشكل مطلق، وأوّل انتهاك هو بمصادرة الحرية ثم نقل الأسرى من مناطق السلطة الفلسطينية إلى مناطق الداخل وما يعانيه الأهالي باستصدار التصاريح لزيارة أبنائهم الأسرى. أتحدث عن تجربتي الشخصية، كان عمر إبني وقت انتقالي [إلى السجن] 14 سنة، تم منع أهلي من عبور الحاجز المؤدي إلى مدن الداخل أي الحاجز الذي يفصل بين الأراضي المحتلة عام 1967 والأراضي المحتلة عام 1948، وبالتالي حُرم أهلي من زيارتي لفترة طويلة جداً. إنّ أول مرة تمت زيارتي بالسجن [كانت] بعد أكثر من 4 شهور على اعتقالي، وهذا يعني أنّه قد تم حرماني من زيارة أطفالي الذين مُنعوا أيضاً من دخول المَحكمة والمشاركة في جلسات المحكمة بحكم أنهم قاصرين في ذلك الوقت، عمرهم دون 18 سنة وحُرمت من زيارة أبنائي لفترة طويلة جداً. هذا بالمُجمل لأن التفاصيل تطول.
هل إستطعتي بعد إطلاق سراحك من سجون الإحتلال أن تقدّمي خدمة للأمهات الفلسطينيات الأسيرات اللواتي يعشنَ ظروف صعبة وقاسية جداً في السجون؟
كانت التهمة الأسياسية لاعتقالي مناصرة الأسرى وزيارة منازل الشهداء، ثم الترشح للإنتخابات البلدية في الخليل والعمل الصحافي بحكم أنني كنت أعمل في مجال الصحافة، فكان يُحظر علينا أو عليّ شخصياً العمل في أي مجال لمساندة الأسرى، لأنّ هناك جزء من حكمي هو حكم بوقف التنفيذ مدّة عام حيث يُحظر عليّ ممارسة أي نشاط يندرج تحت إطار التهم الموجهة لي لمدة خمس سنوات، وبالتالي كنت مقيّدة ولم أستطع مناصرة إخواني الأسرى وأخواتي الأسيرات وكل ما إستطعت القيام به هو محاولة التعريف بأنشطة الأسيرات داخل السجن تحديداً وهي الأنشطة التي تعرّفت على تفاصيلها خلال فترة اعتقالي.
ما هي الطرق التي يمكنك الاعتماد عليها من أجل نقل ثقافة الصمود والمقاومة لسائر النساء الفلسطينيات؟ هل فكرت يوما في هذه المسألة؟
المقاومة لا تُنقل فهي موجودة بدمنا. ومع ولادتنا على هذه الأرض، وُلدنا بحالة المقاومة بسبب بسيط جداً وهو أننا ربما الشعب الوحيد الذي ارتبط وطنه بدينه ووطننا جزءٌ من عقيدتنا، وكلّ مؤمن يؤمن بالله ويؤمن بالإسلام هو يدرك أن فلسطين جزء من العقيدة، وبالتالي نحن مضطرون ومُجبرون على الدفاع عنها، لأنها قبل أن تكون وطن هي عقيدة، ثم أن الفلسطينيين بكافة أشكالهم يُعانون يومياً من الاحتلال، وبالتالي أيّ فلسطيني أو أية فلسطينية حرّة ترى أبنائها يتعذبون على الحواجز الإسرائيلية بالتنقل بين المدن الفلسطينية، ترى أبنائها معرضون للاعتقال ومعرضون للقتل ومعرضون للضرب والإهانات ومعرضون لمنع السفر، ومعرضون لإغلاق مصادر الرزق والأعمال، ومعرضون للحرمان من تعليمهم خلال منعهم من اجتياز الحدود الفلسطينية، كل ذلك يُنشئ أو ينبت في نفس النساء والرجال على حد السواء قوة الثورة والمقاومة، فنحن لا نحتاج لنقل ثقافة المقاومة إلى الآخرين، نحن وُلدنا وهي (المقاومة) بدمنا، وُلدنا ونحن نرى أننا يجب أن نكون مقاومين وإلاّ لن نكون على هذه الأرض.