معركة لا مثيل لضراوتها في التاريخ العسكري..

الثلاثاء 06 حزيران , 2023 10:55 توقيت بيروت دولــي

الثبات ـ دولي

تعرضت لقصف رهيب متواصل. دمرت مبانيها وتحولت إلى أطلال. احترق كل شيء حتى الحجارة، لكنها صمدت ومرغت أنوف الغزاة النازيين في التراب. وعلى أبوابها تبددت أحلامهم وأوهامهم إلى الأبد.

إنها ستالينغراد، المدينة الروسية التي تسمى الآن فولغوغراد، التي تعرضت لهجمات وحشية بجيش نازي جرار يتكون من 900 الف جندي وضابط مدججين بـ 1640 طائرة مقاتلة، و1260 دبابة و17 الف مدفع، علاوة على مدافع الهاون من مختلف العيارات.

معركة ستالينغراد الأسطورية لا مثيل لضراوتها في التاريخ العسكري، حتى أن متوسط العمر المحتمل للجندي السوفيتي والألماني في ذلك الجحيم لم يكن يتعدى 15 دقيقة.

علاوة على ذلك كانت تلك المعركة الخالدة التي تواصلت من 17 يوليو 1942 على 2 فبراير 1943، حدثا تاريخيا استنزف الجيوش الألمانية وكسر شوكتها وحول اتجاه المعركة إلى الخلف نحو برلين ذاتها.

جندي ألماني عبر في مذكراته عن ذلك اليأس القاتل من تحقيق نصر على أبواب ستالينغراد بقوله: "لدينا كيلو متر واحد فقط للذهاب إلى نهر الفولغا، لكننا لا نستطيع القيام بذلك بأي شكل. لقد كنا نقاتل من أجل هذا الكيلو متر فترة أطول من الوقت الذي استغرقناه في فرنسا بأكملها، لكن الروس يقفون مثل كتل من الحجر".

ستالينغراد تعرضت لأول قصف جوي ضخم في 23 أغسطس 1942 ألحق بها دمارا هائلا وسوى القسم الأكبر منها بالتراب. هاجم الأسطول الجوي الرابع لسلاح الجو النازي المدينة بكل قوته ودمر في نصف يوم، أكثر من نصف المباني.

بعد القنابل الثقيلة شديدة الانفجار التي حولت المباني إلى ركام، استخدمت الذخيرة الحارقة ما تسبب في اندلاع العديد من الحرائق، ودمرت ألسنة نارية ضخمة المناطق المركزية في المدينة وانتشرت إلى الضواحي، وبدت ستالينغراد أطلالا مغطاة بادخنة الحرائق، وتوهم الغزاة أنها في الطريق إلى السقوط، إلا أن اليأس بدأ يأكل أحلامهم تدريجيا إلى أن تيقنوا أن ستالينغراد ليست قادرة فقط على الصمود بل وعلى إلحاق هزيمة ساحقة بهم.

 مع بداية القصف الجوي العنيف، جرى إجلاء حوالي 100 ألف من سكان المدينة البالغ عددهم 400 ألف نسمة، فيما شارك معظم البالغين والأطفال المتبقين في أعمال التحصين وإقامة المتاريس وحفر الخنادق والأنفاق المضادة للدبابات وإخفاء وتمويه  المراكز الاستراتيجية .

المارشال السوفيتي أندريه إيفانوفيتش إريمينكو كتب في مذكراته عن ذلك القصف الرهيب قائلا:"ما ظهر أمامنا في 23 أغسطس (1942) في ستالينغراد صدمنا وبدا كما لو أنه كابوس مرعب. ارتفعت في كل مكان أعمدة ناجمة من انفجارات القنابل الحارقة. تعالت أعمدة ضخمة من اللهب إلى السماء في منطقة مرافق تخزين النفط. تمددت ألسنة اللهب الناجمة عن احتراق النفط والبنزين إلى نهر الفولغا. كان النهر يحترق، وكانت القوارب البخارية تحترق على طريق ستالينغراد. الأسفلت كان يغلي من الحرائق في الشوارع والساحات. كان هناك ضجيج لا يمكن تصوره، يمزق الآذان بموسيقاه الجهنمية. دوي القنابل المتطايرة في الأجواء ممزوج بهدير الانفجارات، أصوات تهشم المباني المنهارة، طقطقة النيران المستعرة".

خلال يوم واحد فقط، نفذت القوات الألمانية النازية ما يصل إلى ألفي طلعة جوية، وشاركت حوالي ألف طائرة من مختلف الأنواع في الهجوم بطريقة عشوائية، واستخدم في القصف أسلوب الأرض المحروقة.

 في 23 أغسطس فقط بحسب المؤرخين، قتل ما بين 40 إلى 90 ألف شخص، وأصيب نحو 50 آخرين، ودمرت البنية التحتية للمدينة بشكل شبه تام، لكن ستالينغراد لم تركع.

الضربة الجوية الأولى والأكثر فظاعة فشلت في كسر شوكة المدافعين وفي تحطيم إرادتهم، وتمكن المدافعون عن ستالينغراد من الاستعداد للدفاع، ونجحت التعزيزات في اختراق الحصار الرهيب، وحول المقاتلون والمدنيون أنقاض المنازل والمباني إلى شبكة من الحصون ونقاط إطلاق النار، وحين حاول الألمان اقتحام المدينة لأول مرة في 14 سبتمبر 1942، استقبلوا بنيران شرسة لم تترك لهم أي مجال للمناورة.

استمرت ستالينغراد الجريحة في استنزاف قوات الغزاة لفترة طويلة ومن دون توقف حتى 2 فبراير 1943، حين تحقق النصر ودخلت المدينة التاريخ رمزا لمقاومة بطولية أسطورية، وتحولت إلى مقبرة لما يقرب من مليون جندي ألماني. كل ذلك تحقق كما كتب ذلك الجندي الألماني البائس لأن "الروس وقفوا مثل كتل من الحجارة".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل