الثبات – علوم اسلامية
سلسلة نظرية المعرفة
الشك المنهجي (12/4)
إذا كان الشك الفلسفي مذهباً مستقلاً يقوم على إنكار المعرفة فإن الشك المنهجي يجعل من الشك مجرد وسيلة للوصول إلى اليقين، ويتطلب ذلك من الباحث أن يجرد عقله عن كل المعلومات والأفكار والمعارف، وينطلق تدريجيا بالتأمل والتفكير نحو اكتساب الحقائق المجردة.
أرسطو أوصى أرسطو (توفي عام 322ق.م) في وقت مبكر بضرورة الشك المنهجي، وقال إن هناك علاقة ضرورية بين الشك والمعرفة الصحيحة، لأن المعرفة التي تعقب الشك أقرب إلى الصواب.
كان أبو حامد الغزالي (حجة الإسلام المتوفى عام 1111م) أيضا من رواد هذا الشك، ففي كتاب “المنقذ من الضلال” تحدث عن تجربته مع الشك عندما بدأ بالشك في الحواس لعدم قدرتها على كشف الكثير من مظاهر الزيغ، ثم أخذ يشك في العقل نفسه إزاء نتيجة خوضه في المناظرات الفكرية العميقة مع شتى التيارات الفكرية السائدة، حتى وصل به الأمر إلى المرض النفسي والجسدي (الاكتئاب)، حيث كان يعاني من صعوبة في الكلام وفقدان الشهية للطعام، واستمر على هذا الحال ستة أشھر، ولم ينته إلا بعد أن قذف الله في صدره نور الحقيقة، فاستعاد عقله الثقة بالبديهيات والحقائق الأولى، ورجع إليه إيمانه بالمحسوسات والمعقولات. وقد دفعته هذه التجربة إلى الميل نحو الكشف الصوفي بعد أن كان من المؤيدين للمنهج العقلاني، لكن الأرجح أنه تخلى عن المنهج الصوفي في المرحلة الأخيرة من حياته.
في القرن السابع عشر سار الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت على خطا الغزالي، وقال إنه ينبغي علينا أن نطرح كل ما في داخل عقلنا من معارف، ونشك في جميع طرق العلم وأساليبه، حتى نصل إلى العقل مجردا خالصا. وقد مارس بنفسه هذا النهج في التأمل وطرح الاعتقاد بوجود كل شيء، حتى وصل إلى حقيقة واحدة يجب الإيمان بها وهي أنه يفكر، واستنتج منها المقولة الأولى للمعرفة “أنا أفكر، إذن أنا موجود”، ثم استنتج من تلك الحقيقة حقيقة وجود الله وبقية الحقائق الأخرى.