الثبات ـ اسلاميات
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيّدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
إستدعى أحد الخلفاء شعراء مصر ، فصادفهم شاعر فقير بيده جرّة فارغة ذاهباً إلى البحر ليملأها ماءً فرافقهم إلى أن وصلوا إلى دار الخلافة ،
فبالغ الخليفة في إكرامهم و الإنعام عليهم ، و لمّا رأى الرجل و الجرّة على كتفه و نظر إلى ثيابه الرّثة
قال : من أنت ؟ و ما حاجتك ؟
فأنشد الرجل :
و لما رأيتُ القومَ شدوا رحالهم
إلى بحرِك الطَّامي أتيتُ بِجرتّي
فقال الخليفة : إملأوا له الجّرة ذهباً و فضّة .
فحسده بعض الحاضرين و قالوا للخليفة : هذا فقير مجنون لا يعرف قيمة هذا المال ، و ربّما أتلفه و ضيّعه .
فقال الخليفة : هو ماله يفعل به ما يشاء ، فمُلئت له جرّته ذهباً ، و خرج إلى الباب ففرّق المال لجميع الفقراء .
و بلغ الخليفة ذلك ، فاستدعاه و سأله على ذلك فقال :
يجود علينا الخيّرون بمالهم
و نحن بمال الخيّرين نجود
فأعجب الخليفة بجوابه ، و أمر أن تُملأ جرّتُه عشر مرّات ، و قال : الحسنة بعشر أمثالها !
فأنشد الفقير هذه الأبيات الشعرية
التي يتم تداولها عبر مئات السنين :
اﻟﻨﺎﺱ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻣﺎﺩﺍﻡ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ﺑﻬﻢ
ﻭ ﺍﻟﻌﺴﺮ ﻭ ﺍﻟﻴﺴﺮ أﻭﻗﺎﺕ ﻭ ﺳﺎﻋﺎﺕ
ﻭ أﻛﺮﻡ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻮﺭى ﺭﺟﻞ
تقضى على ﻳﺪﻩ ﻟﻠﻨﺎﺱ حاجات
ﻻ ﺗﻘﻄﻌﻦ ﻳﺪ ﺍﻟﻤﻌﺮوﻑ ﻋﻦ أﺣــﺪ
ﻣـﺎ ﺩﻣـﺖ ﺗـﻘﺪﺭ ﻭ ﺍلأﻳـﺎﻡ ﺗـــﺎﺭﺍﺕ
ﻭ اﺫﻛﺮ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺻﻨﻊ ﺍﻟﻠﻪ إﺫ ﺟُﻌﻠﺖ
إﻟﻴﻚ ﻻ ﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺣﺎﺟـــﺎﺕ
ﻓﻤﺎﺕ ﻗﻮﻡ ﻭ ﻣﺎ ﻣﺎﺗﺖ ﻓﻀﺎﺋﻠﻬﻢ
ﻭ ﻋﺎﺵ ﻗﻮﻡ ﻭ ﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ أموات
إعداد: الباحث الشيخ يوسف الغوش