الثبات ـ من ذاكرة التاريخ
43 عاما مرت على رحيل المناضل أحمد أسعد الشقيري، أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأحد أعمدة النضال الفلسطيني منذ بدايات القرن العشرين، وحتى رحيله في شباط 1980.
ولد الشقيري في بلدة تبنين الواقعة في الجنوب اللبناني عام 1908. كان والده شيخا في عهد السلطان العثماني عبد الحميد. وكانت والدته تركية. عاش أحمد الشقيري في بداية حياته في مدينة طولكرم، ثم مدينة عكا، تلقى تعليمه الأول في مدارس عكاوية، ثم التحق بمدرسة في القدس، وأكمل تعليمه. ثم انتقل إلى الجامعة الأمريكية في بيروت.
بدأ الشقيري حياته السياسية والصحفية مبكرا، فشهد المظاهرات المنددة بإعدام الشهداء في سورية ولبنان في 6 أيار 1916، وفي شبابه انخرط في النضال ضد الانتداب الفرنسي على لبنان، فأمرت الحكومة الفرنسية بإبعاده عن جميع البلاد المشمولة بالانتداب الفرنسي في 13 أيار/ مايو1927.
عاد الشقيري في نهاية عام 1927 إلى عكا، وعمل في جريدة "مرآة الشرق"، وبدأ يشارك في الندوات والمؤتمرات التي تعقد في فلسطين، ولا سيما مؤتمر يافا عام 1928. وكان عضوا في مؤتمر مدينة القدس الذي تقرر فيه تأسيس جمعيات الشبان المسلمين في كل أنحاء البلاد العربية والإسلامية.
درس الشقيري الحقوق وأصبح محاميا. وعمل مع الحاج أمين الحسيني في الحقل الوطني. وشارك في ثورة 1936 في فلسطين. وكان البريطانيون يطاردونه، فاعتقل في دير البلح بقطاع غزة، بينما كان متوجها إلى القاهرة؛ وأودع سجن القطاع، ثم سجن عكا. وبعد الإفراج عنه، رحل إلى سورية، ثم عاد إلى عكا عام 1940.
وشغل أحمد الشقيري عام 1951 منصب الأمين العام المساعد للجامعة العربية، المكلف بالشؤون الفلسطينية. وعمل رئيسا للوفدين السوري والسعودي إلى هيئة الأمم المتحدة، مدة خمسة عشر عاما. وانتهى عمله في الهيئة الدولية عام 1962. دافع خلال هذه المدة عن القضايا العربية، وفي مقدمتها قضية فلسطين؛ وعقب وفاة أحمد حلمي عبد الباقي عام 1963، ممثل فلسطين في الجامعة العربية، اختِير الشقيري خلفا له. بعد هذا التكليف، عمد إلى الاتصال بالشعب الفلسطيني والدول العربية؛ من أجل التحضير للمؤتمر الفلسطيني الأول، الذي انبثقت عنه منظمة التحرير الفلسطينية ونظامها الأساسي وميثاقها. وانتُخب الشقيري رئيسا لها.
وفي عهد أحمد الشقيري، تم تأسيس العديد من المؤسسات المدنية، مثل: مؤسسة رعاية أُسَر الشهداء والمسجونين، وهي تناظر دائرة الشؤون الاجتماعية في منظمة التحرير الفلسطينية. وقد تأسست عام 1965، بغرض رعاية عائلات الذين يستشهدون في مواجهة إسرائيل.
وبذل الشقيري جهدا ضخما من أجل توسيع نطاق الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية، بصفتها ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني؛ والاعتراف بحق هذا الشعب في العودة، وتقرير المصير، وإنشاء دولته المستقلة على أرض وطنه. ولذلك سعى إلى توطيد علاقة المنظمة بدول العالم، ولا سيما الدول الاشتراكية، وفي طليعتها الاتحاد السوفييتي، والصين الشعبية، التي سمحت بتدريب جيش التحرير الفلسطيني على أراضيها، وزارها وفد من منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965.
لقد كان الشقيري من المؤمنين بفكرة الوحدة العربية الشاملة. ونجح إلى حد كبير، في جعل هذا الشعار هدفاً قومياً أجمع عليه كلّ الشعب الفلسطيني؛ إذ دعا في أواسط تشرين أول/ أكتوبر 1967 إلى مشروع إقامة "الدولة العربية المتحدة".