الثبات ـ اقتصاد
مع وجود طوابير طويلة خارج المطاعم وسيارات مترو أنفاق مزدحمة، بالإضافة إلى آلات نشطة في المصانع ومواقع الإنشاء، يتخلص الاقتصاد الصيني من ظل وباء كوفيد-19 ليبدأ بداية جيدة في عام 2023.
استهلاك قوي
خلال عطلة عيد الربيع التي استمرت أسبوعًا وانتهت يوم الجمعة الماضي، اكتظت دور السينما والمطاعم والمناطق السياحية بالأشخاص المتحمسين لتلبية رغباتهم الاستهلاكية المكبوتة.
باعت دور السينما في جميع أنحاء الصين 129 مليون تذكرة، محققة 6.76 مليار يوان (ما يقرب من مليار دولار أمريكي) من العائدات في فترة العطلة المذكورة، بزيادة 11.89 بالمائة على أساس سنوي. وتم القيام بحوالي 308 ملايين رحلة داخلية، وبلغت عائدات السياحة إجمالاً 375.8 مليار يوان بزيادة 30 في المائة.
وقالت شركة سيتيك لتداول الأوراق المالية في تقرير لها، إن إنفاق العطلات الذي جاء أفضل من المتوقع أدى إلى تحسن الثقة في انتعاش استهلاك الخدمات، مشيرةً إلى أن قطاع التموين سيشهد انتعاشًا مستقرًا ومستدامًا وأن السياحة ستتعزز تدريجيًا خلال مواسم الذروة.
كما أصبح التوسع في الاستهلاك من أولويات السياسة.
وشدد اجتماع لمجلس الدولة يوم السبت الماضي على الحاجة إلى اتخاذ تدابير في الوقت المناسب لتعزيز الانتعاش المبكر للاستهلاك باعتباره القوة الدافعة الاقتصادية الرئيسية. وبدأت الحكومات المحلية في أنحاء الصين في تطبيق سياسات مواتية لتحسين ثقة المستهلكين منذ يناير الجاري.
وأعلنت بلدية شانغهاي في شرقي الصين يوم الأحد الماضي عن خطة عمل تتضمن إعفاءات ضريبية لشراء سيارات الطاقة الجديدة وقسائم لقطاعات مثل السياحة الثقافية والمطاعم. بينما عززت مقاطعة هاينان الجزرية بجنوبي الصين التسوق المعفى من الرسوم الجمركية بنشاط، وسجلت مبيعات بقيمة 5.19 مليار يوان في الفترة من يوم 1 إلى 28 يناير الجاري.
قال وانغ تاو الخبير الاقتصادي في بنك "يو بي إس"، إن انتعاش الاستهلاك هو موضوع رئيسي لعام 2023، متوقعًا أن تنمو مبيعات التجزئة الاسمية للعام بأكمله بنسبة 9 في المائة على أساس سنوي.
المصانع على قدم وساق
ينتعش الإنتاج بعد العطلة في جميع أنحاء البلاد، حيث تعمل المصانع بكامل طاقتها.
وفي يوم السبت الماضي، وهو أول يوم عمل بعد عطلة عيد الربيع، بدأ تشييد 136 مشروعًا رئيسيًا في مدينة شيآن، حاضرة مقاطعة شنشي بشمال غربي الصين.
ومن المتوقع أن تبلغ الإنتاجية السنوية لهذه المشاريع التي تغطي كل شيء من التصنيع المتقدم إلى الخدمات الحديثة، أكثر من 150 مليار يوان وأن تخلق أكثر من 110 آلاف فرصة عمل.
أما في بلدية تشونغتشينغ بجنوب غربي البلاد، فكان هناك أكثر من 60 منصة حفر دوارة تعمل في وقت واحد في موقع بناء المصنع الجديد لشركة تشانغآن للسيارات في يناير الجاري. وقال مدير المشروع وو كه تشي: "باستثمار 6.3 مليار يوان، ستبلغ إنتاجية المشروع السنوية 280 ألف مركبة طاقة جديدة".
كما تخطط تشونغتشينغ لإطلاق 1123 مشروعًا كبيرًا هذا العام، مع زيادة إجمالي الاستثمار بنسبة 18.5 بالمائة عن العام السابق.
ويمكن رؤية نفس الحيوية على الصعيد الوطني، حيث تبذل السلطات المحلية جهودًا حثيثة لاستئناف الإنتاج، مما يجلب زخمًا جديدًا ومستدامًا للاقتصاد.
هذا وحددت المقاطعات الاقتصادية الكبيرة، وهي قوانغدونغ وتشجيانغ وشاندونغ وسيتشوان، أهداف نموها لعام 2023 بما يزيد عن 5 في المائة. وتم الكشف عن إجراءات جديدة لهذا العام في تقارير عمل الحكومات المحلية، ومن المتوقع أن تعزز هذه المقاطعات النمو العالي الجودة للاقتصاد الصيني.
نظرة مستقبلية أكثر سطوعًا
لقد رسم الزحام والضجيج الذي عاود الظهور في جميع أنحاء البلاد صورةً مشجعة للاقتصاد الصيني بعد الصعوبات التي واجهته في عام 2022.
وحث اجتماع مجلس الدولة يوم السبت الماضي على بذل جهود لتعزيز انتعاش اقتصادي مطرد في بداية العام الجاري، مشددًا على ضرورة تسهيل الاستئناف السريع للأعمال والإنتاج بعد العطلة.
وفي هذا الصدد، سيتم اتخاذ تدابير في الوقت المناسب لتعزيز الانتعاش المبكر، ودفع الانفتاح بطريقة ثابتة، وتحقيق استقرار التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي والارتقاء بهما.
وظل المستثمرون الأجانب والمؤسسات العالمية واثقين من الاقتصاد الصيني، وقامت بنوك استثمارية متعددة بمراجعة توقعاتها بشأن معدل النمو الصيني في عام 2023 تصاعديًا.
وقال ليو لي نان رئيس استراتيجية الاقتصاد الكلي للصين في البنك الألماني، إن الاقتصاد الصيني سيتوسع بنحو 6 في المائة هذا العام وأن النمو سيصبح أكثر ثباتًا في عام 2024 مع خروج الصين من آثار الوباء الذي استمر لثلاث سنوات.
وأضاف ليو أنه بعد العودة إلى الحياة الطبيعية، وعندما يتم تخفيض المخاطر المالية وتسري الإصلاحات الداعمة للنمو، ستتعزز مرونة الصين أيضا على المدى المتوسط والطويل، مشيرا إلى تفاؤله بشأن آفاق الأصول الصينية.
وفي هذا السياق، قال محللون إن الاقتصاد الصيني قد تجاوز أصعب لحظاته، ومن المتوقع أن يحقق انتعاشًا شاملًا وأن يتحسن هذا العام، مع إطلاق المزيد من حيوية السوق وانتعاش متسارع في النشاط.