أقلام الثبات
بعد اسابيع ساخنة وضعت بأحداثها المنطقة بكاملها على حافّة حرب طاحنة ومع بدء العدّ العكسي لبدء جولة الرئيس الأميركي جو بايدن، جاء قرار العودة الى طاولة المفاوضات "النووية" غير المباشرة بين واشنطن وطهران في غمرة قرع طبول الحرب ليُخفّض من منسوب سخونة الأوضاع، خصوصا انها دفعت سريعا لعودة الحراك على خطّ طهران-الرياض.. تراجعت حدّة شرارات الحرب هنا لتستعر على ضفّتَي روسيا والنّاتو الى حدّ غير مسبوق.
ففيما أعلنت موسكو انّ الحرب في اوكرانيا يمكن ان تنتهي في يوم واحد شرط القاء القوات الأوكرانيّة سلاحها، جاء جواب "النّاتو" بالإعلان عن رفع عديد قوات التدخّل السريع شرقي اوروبا الى 300 ألف جندي، وإعلاء وتيرة توريد الأسلحة الفتاكة الى اوكرانيا، حيث تعتزم واشنطن تزويد الأخيرة بأنظمة دفاع صاروخي متوسّطة وبعيدة المدى هذا الأسبوع، بعد وصول قاذفات الصواريخ الأميركية من طراز "هيمارس" الى كييف يوم الخميس الماضي..
تصعيد خطير على وقع انعقاد قمّة الناتو في مدريد رفع منسوب المواجهة العسكرية بين روسيا والحلف اكثر من ايّ وقت مضى، " وحيث سيقول الرئيس بوتين كلمته في الميدان قريبا، والذي قد يتوسّع صوب ساحات أخرى على رأسها سورية" -وفق إشارة خبير مجلس الشؤون الدولية الروسي ليريك سيمينوف، الذي المح الى "امكانية ان تشهد الساحة السوريّة حدثا عسكريا غير مسبوق في القادم من الأيام، بعد رسالة استهداف قاعدة التّنف التحذيريّة قبل اسبوعَين".
وعشيّة انعقاد قمّة حلف الناتو ، والتي طغى عليها الطابع التحشيدي غير المسبوق ضدّ روسيا- والتي استبقه امينه العام بالإعلان عن عزم توسيع عديد قواته الى نحو 700 الف في اوروبا.. آثرت موسكو توجيه تهديد "من العيار الثقيل" الى كلّ المجتمعين في مركز المؤتمرات في مدريد حيث نشرت مؤسسة "روس كوسموس" الفضائيّة الروسيّة على قناتها بتطبيق "تليغرام"، صُوَر وإحداثيّات "مراكز صنع القرار" في دُوَل الغرب وتضمّنت صُوَر البيت الأبيض ومبنى البنتاغون في واشنطن، والمقرّ الرئيسي للناتو في بروكسل، ومركز المؤتمرات في مدريد، ووزارة الحرب البريطانية في لندن، والرّايخستاغ والمستشارية الفيدرالية في برلين، وقصر الإليزيه في باريس.. "تمريرة" روسية بالغة الخطورة والدّلالات تشي بعدم تردّد موسكو في تجاوز كلّ المحظورات حال اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة مع "الناتو".
الرئيس بوتين الذي كان توعّد في الخامس من الجاري، بضرب أهداف جديدة لم يتمّ استهدافها من قبل في كييف، في حال زوّدت واشنطن الأخيرة بصواريخ بعيدة المدى، توجّه منتصف ليل السبت الماضي بشكل عاجل الى الكرملين.. وفق مراقبين، قإنّ " تطوّرا ما وقرارا كبيرا غير معلوم" أُبلغ به بوتين في ساعة متأخرة من الليل ودفعه للعودة بشكل مفاجىء الى الكرملين، في وقت وجّهت موسكو تهديدا ب "الردّ القاسي" على خطوة ليتوانيا "الخطيرة" فرض حصار على مقاطعة كاليننغراد وإغلاق حدودها في وجه البضائع المتجهة الى روسيا.. ما حدا بنائب رئيس لجنة مجلس الإتحاد للشؤون الدولية فلاديمير جباروف، الى التلويح بالإشتباك العسكري في حال عزل كاليننغراد عن روسيا، وحثّ ليتوانيا وبولندا على التفكير مليّا في الانضمام الى "الناتو"، "لأنهما سيكونان اوّل من سيدخل الى مفرمة اللحم"- بحسب تعبيره!
الا انّ الرسالة الروسيّة المدويّة " الى من يهمهم الأمر"، فقد جاءت بالتزامن على لسان الجنرال الروسي المتقاعد اندريه غوروليوف- المقرّب من بوتين، وتوعُّده بأنّ العاصمة البريطانية"ستكون اوّل مدينة تتعرّض للقصف الروسي في حال اندلاع حرب عالمية ثالثة".. وإذ اعتبر انّ الحلّ الوحيد لمنع حصار كاليننغراد وعزلها عن روسيا من قِبَل دُوَل الاتحاد الاوروبي، هو الغزو الروسي لدُوَل البلطيق التابعة لحلف "الناتو"، مُبيّنا انّ هذه الخطوة من شأنها ان تؤدي الى تطبيق البند الخامس من ميثاق هذا الحلف، ما سيُفضي الى ما يشبه الحرب العالمية الثالثة، أضاف غوروليوف:" كجزء من عملية تدمير المواقع الحيوية والحسّاسة، سيتمّ قطع إمدادات الطاقة عن اوروبا الغربية، وسيتمّ تدمير جميع مواقع هذه الإمدادات.. وسنرى ما ستقوله الولايات المتحدة لدُوَل الغرب وهي تقاتل في البرد، من دون طعام ولا كهرباء"!
مرحلةٌ لربما هي الأكثر خطورة في ثنايا الحرب الدائرة بالوكالة بين روسيا وحلف الناتو على الأرض الأوكرانيّة، خصوصا انّ موسكو ترصد جيدا مشاركة قوات خاصّة من دُوَل اطلسية الى جانب القوات الاوكرانية في المواجهات الدائرة، وشبكة سريّة من الكوماندوز والجواسيس الأميركيين -وهذا ما كشفته لاحقا صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، مشيرة الى انّ عملهم السرّي يتركّز في العاصمة كييف حيث يجمعون معلومات استخباريّة تتشارك فيها الولايات المتحدة مع القوات الاوكرانية، وأكدت الصحيفة انخراط العشرات أيضا من رجال الكوماندوز من دُوَل الناتو الأخرى يتمركزون في كييف، بينها بريطانيا وفرنسا وكندا وليتوانيا.. ولربما سيكون بعض تحصينات هؤلاء هدفا مرتقبا للضربات الروسيّة، سيّما انّ نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري مدفيديف، كان هدّد بضرب "مراكز صنع القرار" في كييف..
هذا قبل ان يدعو حلف الناتو اليوم الأربعاء، فنلندا والسويد للإنضمام لعضويّته- وهو ما سبق ان حذّرت موسكو بشدّة من عواقب هذه الخطوة، وصنّف بيان قمّة الحلف المنعقدة في مدريد، روسيا ب "التهديد الأكبر لأمن الحلفاء" متعهّدا بتقديم المزيد من المساعدات العسكرية الى اوكرانيا، وبتعزيز قدرات الرّدع والدفاع في "الناتو" بشكل كبير!
لا يُعرف حتى الآن كيف سيكون مشهد المواجهة المرتقبة بين روسيا والناتو بعد التصعيد الكبير من قِبَل الأخير، خصوصا حين وصول منظومة "ناسماس" الصاروخية المتطورة التي يُفترض ان تؤمنها واشنطن لكييف في غضون أيام تعويلا على تحوّل ميداني جذري في مسار مواجهة روسيا.. الا انّ لروسيا-بوتين.. رأيا آخر!
وفق معلومات خبراء عسكريين روس، فإنّ صواريخ كاليبر الروسيّة، ستكون بانتظار المنظومة الصاروخية الموعودة، والأرجح ان يتمّ تدميرها قبل وصولها الى كييف.. وبحسب المعلومات، فإنّ بوتين قد يكون اتخذ قرارا حاسما بشأن استخدام الأسلحة النووية اذا ما تجاوز "الناتو" الخطوط الحمر الروسيّة بشكل خطير.. اما احدى الضربات الروسية المتوقعة، فقد تكون صوب بولندا، ربطا برصد الاستخبارات الروسية حراكا في أروقتها يشي بتقدّم محتمل لقواتها الى داخل الاراضي الأوكرانية. وهو ما سبق ان حذّر منه المحلّل العسكري الأميركي سكوت ريتر، متوقعا "ان يتمّ سحق بولندا ومسحها من على وجه الأرض، اذا انخرطت في هذه اللعبة ضدّ روسيا"!
وفي وقت لا زالت قضيّة الجنديَّين الأميركيين الأسرى لدى القوات الروسية تسبب حرجا للإدارة الأميركية، ربطا بأنّ هذه الورقة ستمنح الرئيس بوتين امتيازات كبيرة من واشنطن للإفراج عنهما.. كشفت معلومات سُرّبت عن موقع "انتيليجانس اونلاين" الإستخباري الفرنسي، عن وقوع ضابطَين بريطانيّيَن "رفيعي المستوى" اسرى بأيدي القوات الروسية" دون تحديد مكان الإطباق عليهما او إعطاء اي تفاصيل.. فيما كشف مصدر في موقع صحيفة "برافدا رو"،عن تطورات هامة قادمة قد تعكسها الحرب الاوكرانية على سورية، ملمحا الى حدث جوّي سوري مُرتقب غير مسبوق، قد يتصدّر واجهة المشهد الإقليمي والعالمي بشكل مفاجئ!.