لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ... سلسلة خطب الجمعة للشيخ الدكتور عبد الناصر جبري رضوان الله عليه

الخميس 24 حزيران , 2021 02:49 توقيت بيروت إسـلاميــّـــات

الثبات - إسلاميات

إنّ الحمد لله، نحمده تعالى ونشكره، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير وإليه المصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأشهد أنّ سيدنا وحبيبنا وقائدنا وقرة أعيننا محمداً رسول الله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله ومن سار على طريقه واتبع هداه إلى يوم الدين، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} سورة آل عمران-الآية 102.

أما بعد عباد الله: قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} سورة الحجر-الآية 87: يجب علينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى على نعمة القرآن الكريم، الحمدلله على هذه النعمة وهذا الفضل، وكلمة "الحمد" نستغرق بها جميع الحمد لله وحده لا شريك له، وهذه المحامد جميعها ملك لله سبحانه وتعالى، ولا يتصور أحد أن به نعمة من نفسه، إنما النعم جميعها من عند الله عز وجل، فعليك أيها العبد أن تنسب المسائل إلى حقائقها، وحقائقها من عند الله سبحانه وتعالى.

الله سبحانه وتعالى ذات وليس صفة؛ أي أنك لا تستطيع القول بأن الله هو قدرة أو علم أو حياة...، حاشا وكلا أن يكون كذلك، إنما هذه الصفات تقع على الذات المقدسة التي ليست كباقي الذوات، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} سورة الشورى-الآية11، وكذلك لا نستطيع القول بأن الله سبحانه وتعالى في السماء؛ لأن الله سبحانه وتعالى خالق السماء وليس بحاجة إلى سماء ليكون فيها؛ بل الله سبحانه وتعالى كان قبل الزمان والمكان وهو على ما عليه كان، ومنه أيضاً لا نستطيع القول بأن الله سبحانه وتعالى في جهة من الجهات؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق هذه الجهات.

أما التعريف من ناحية الصفات: هو الغني عن كل ما سواه، ومفتقر إليه كل ما عداه، ذات عظيمة ليست بحاجة إلى شيء في هذا الوجود، قال الله تعالى في الحديث القدسي: ((يا عبادي! إنِّي حرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي وجعلتُه مُحرَّمًا فلا تَظالموا، يا عبادي! إنَّكم تُخطِئون باللَّيلِ والنَّهارِ وأنا أغفِرُ الذُّنوبَ جميعًا ولا أُبالي فاستغفروني أغفِرْ لكم، يا عبادي! كلُّكم جائعٌ إلَّا من أطعمتُ فاستطعِموني أُطعِمْكم، يا عبادي! لم يبلُغْ ضُرٌّكم أن تضُرُّوني ولم يبلُغْ نفعُكم أن تنفعوني، يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وجِنَّكم وإِنسَكم اجتمعوا وكانوا على أفجرِ قلبِ رجلٍ منكم لم يُنقِصْ ذلك من مُلكي مثقالَ ذرَّةٍ، ويا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وجِنَّكم وإنسَكم اجتمَعوا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني جميعًا فأعطيتُ كلَّ إنسانٍ منهم مسألتَه لم يُنقِصْ ذلك ممَّا عندي إلَّا كما يُنقِصِ المَخيطُ إذا غُمِس في البحرِ، يا عبادي! إنَّما هي أعمالُكم تُرَدُّ إليكم، فمن وجد خيرًا فليحمَدْني ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلَّا نفسَه)).

أنت لا تأثر على الذات الإلهية إن عبدتها أو لم تعبدها؛ لأن الله سبحانه وتعالى ليس بحاجة إليك وليس بحاجة إلى عبادتك، أنت من تحتاج الله، ولكي يكون معك في السراء والضراء وفي الصحة والسقم وفي القوة والضعف فقل الحمدلله والشكر لله وأخلص في عبادتك في السعد قبل الحَزن وفي المرض قبل السقم وفي الفرج قبل الشدة وفي اليسر قبل العسر وفي الغنى قبل الفقر، كن عبداً مخلصاً، ولا تكن عبداً ذا حاجة فقط، لا تعرف العبادة والدعاء إلا في وقت الشدائد، اعبد الله سبحانه وتعالى، ولا تعبد مصالحك الدنيوية، اعمل وحصل واجعل لنفسك شيئاً عند الله سبحانه وتعالى، عبادة خالصة لله تبارك وتعالى، صلاة صحيحة، صيام، صدقة جارية تقصد بها وجه الله سبحانه وتعالى، إماطة أذى عن طريق، كلمة طيبة لجارك، بر بوالديك، قراءة قرآن، صلاة على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإليكم هذه القصة التي رواها البخاري ومسلم في صحيحهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: ((بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر، فمالوا إلى غار في الجبل، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل، فأطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها لله صالحة، فادعوا الله بها لعله يفرجها، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم ،فإذا رحت عليهم فحلبت، بدأت بوالدي أسقيهما قبل ولدي ،وإنه ناء بي الشجر، فما أتيت حتى أمسيت، فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحِلاب، فقمت عند رءوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما، والصبية يتضاغون عند قدمي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا فرجة نرى منها السماء، ففرج الله لهم فرجة حتى يرون منها السماء، وقال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، فطلبت إليها نفسها، فأبت حتى آتيها بمائة دينار، فسعيت حتى جمعت مائة دينار، فلقيتها بها، فلما قعدت بين رجليها قالت: يا عبد الله، اتق الله ولا تفتح الخاتم، فقمت عنها، اللهم فإن كنت تعلم أني قد فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها، ففرج لهم فرجة، وقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيرا بفَرَقِ أَرُزٍّ، فلما قضى عمله قال: أعطني حقي، فعرضت عليه حقه، فتركه ورغب عنه، فلم أزل أزرعه، حتى جمعت منه بقرا وراعيها، فجاءني فقال: اتق الله ولا تظلمني، وأعطني حقي، فقلت: اذهب إلى ذلك البقر وراعيها، فقال: اتق الله ولا تهزأ بي، فقلت: إني لا أهزأ بك، فخذ ذلك البقر وراعيها، فأخذه فانطلق بها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج ما بقي، ففرج الله عنهم)).


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل