الثبات – إسلاميات
سلسلة وحي القرآن الكريم
في رحاب سورة البقرة "استعينوا بالصبر والصلاة"
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الله تعالى في سورة البقرة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
أنعم الله تعالى على المؤمنين ببعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فيهم يبلغهم شرع الله، ويطهرهم من الشرك والجهل وسائر الأمراض القلبية، ما يوجب عليهم شكره عملياً بطاعة الله والتزام أمره ونهيه، وبما أنهم آمنوا به عليه الصلاة والسلام لزمهم عبادة من آمنوا به وفق المنهج الذي بينه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله، {سْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} وسيلتان للثبات على الطاعة والعبادة، بالصبر على الطاعة والصبر عن المعصية، لأنَّ الله يحب الصابرين.
ثم بين الله للمؤمنين أن من يُقتل في سبيل الله حيٌّ وإن قتل، لأن المبادئ والقيم تحيا بموت حامليها والذين أرسوا قواعدها النبيلة بين الناس، وإن تخيل الغافلون أن موت المجاهد انقضاءٌ لدعوته، ويؤكد على هذه الحقيقة ما ننعم به من إيمان واطمئنان بعد ما يزيد على أربعة عشر قرناً من قيام الإسلام ورحيل الجيل الأول من الصحابة رضي الله عنهم، {وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ} نزلت في شهداء بدر وكانوا بضعة عشر رجلاً، ثمانيةً من الأنصار وستةً من المهاجرين، وذلك أن الناس كانوا يقولون للرجل يقتل في سبيل الله: مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذاتها، فأنزل الله هذه الآية .
وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يجعل الدنيا دار ابتلاءٍ واختبار، يبتلي الله تعالى فيها المؤمنين بشيء قليل من الخوف على أنفسهم، على أولادهم، والجوع الحاصل نتيجة الظلم والبغي وتسلط الأقوياء على الضعفاء والقحط الذي ينتج عن قلة المطر فترتفع الأسعار، والصراع بين الحق والباطل المؤدي إلى فقدان بعض الأنفس، كل هذا ليُظهِر الله فضل الصابرين فيكونوا لمن بعدهم مثلاً، ويكشف المخادعين فلا يتأثر بهم أحد، لذلك قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}، أي أخبرهم يا محمد خبراً تتحرك له قلوبهم، فإن سألوك من هم؟ فقل {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} من فقد مالٍ أو عزيزٍ {قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ} عبيدٌ بالاختيار، نرضى بالقضاء، ونقنع بالعطاء، ونؤمن بالقدر، ونخاف الله في السر والعلن، لأن الدنيا ممر، {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} هناك نحيا حياةً حقيقةً خالصةً من أكدار الدنيا، ننعم بالأمن والأمان في دار كرامة الرحمن، فأثنى عليهم ثناءً يحضّ على الاقتداء بهم، ويرغّب في اتباع منهجهم، {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} أحبوات الله فرضوا عنه وصبراً، فوصفهم الله تعالى بالهداية وبالتالي فازوا في الدنيا برضى الله وفي الآخرة بجنته.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.