تجارب الدول مع "التدويل": تقسيم وويلات

الإثنين 01 آذار , 2021 08:48 توقيت بيروت لـبـــــــنـان

الثبات ـ لبنان

لا أحد يستطيع القفز فوق حجم الكارثة التي يتخبّط بها لبنان. نكاد نبصم بالعشرة على أنها مرحلة من أصعب المراحل نتيجة سياسات العقود الثلاثة الماضية. نتّفق جميعنا على أنّ الأمور تتدحرج نحو الأسوأ، وبتنا على حافة الانهيار إن لم نكن في صلبه. ما الحل اذاً؟ يبدو هذا السؤال الذي قد نطرحه مرات ومرات بديهياً، ولكن على بداهته، قد يجد البعض صعوبة في الإجابة عنه. لماذا الصعوبة؟ لأنّ البعض ربما لم يعتد على التفكير، أو قد يكون الأمر نابعا من قلّة الحيلة والمروّة -كما يقال- فيُفضّل إحالة المهمة الى آخرين للتفكير عنه. حسناً، من هم هؤلاء الآخرون؟ قد يجد البعض حرجاً في أن يُفكّر الشريك في الوطن عنه ويُخرج أرنب الحل من كمّه. في هذه الحالة يفضّل أن تزداد الأمور سوءاً على أن يتوهّم صورة شريكه "المنتصر"، مع العلم أنّ الانتصار سيكون للوطن وليس لفئة. في هذه الحالة، يُفضّل أصحاب هذه العقلية أن يلجؤوا الى "الغريب البعيد" حتى ولو كان خصما للوطن وعدوه فيأملون حلاً على يده وإن كان فيه دمار الوطن. 

قد نرسم هذا السيناريو اذا أحسنّا النية بالمطالبين بعقد مؤتمر دولي خاص لحل الأزمات اللبنانية. أما اذا أردنا أن نقول الأمور كما هي، فلا يمكن فصل الدعوات القائمة حالياً لعقد مؤتمر دولي للقضية اللبنانية، أو بمعنى آخر "تدويلها" عن مسار ما سبقها من أحداث طيلة سنوات مضت. يأتي هذا "التدويل" اليوم كآخر "خرطوشة" رُبما بعد فشل مجموعة سبقتها من إصابة الهدف. الأخير محدّد ودقيق، محاصرة قرار لبنان وسيادته. طبعاً ليس المطلوب محاصرة لبنان كبلد صغير واقع غربي قارة آسيا. المطلوب محاصرة المقاومة الموجودة في هذا البلد والتي تمكّنت من حمايته وأعطته بعدا ومجدا جعل اسمه يتردّد بقوة في المحافل الدولية. نعم، تأتي محاولة "التدويل" كآخر "خرطوشة" بعدما عجزت أميركا بعظمتها الاستعراضية من إضعاف المقاومة لأسباب معروفة جداً ولا داعيَ للدخول في تفاصيلها. الحرب العسكرية فشلت، وكذلك السياسية. كما أنّ العدوان الاقتصادي الذي شُنّ لتأليب الشعب على المقاومة لم يؤت أكله، فماذا بعد؟!

ولكي لا نذهب بعيداً في الحديث عن أهداف الدعوة لمؤتمر دولي و"تدويل" الأزمة اللبنانية، فضلاً عن تضارب "بورصة" المفاهيم والمصطلحات التي رُفعت من حياد وسيادة الى مؤتمر دولي وما شابه، اذ يكاد التدويل والسيادة أن يكونا خطين متوازيين لا يلتقيان، من المفيد طرح بعض الأسئلة: هل قرأ المطالبون بهكذا طرح في تجارب الدول القريبة والبعيدة مع التدويل؟ هل يفقه هؤلاء حجم الخطر والتداعيات التي تركها طرح "التدويل" على الدول؟ هل يستعد هؤلاء لتحمل العواقب الوخيمة لهكذا طرح؟. 

جوني: "التدويل" سلب من القوى الداخلية حقها في اتخاذ القرارات

لم يدخل التدويل دولة إلا وأفسد فيها وألحق الخراب والدمار محاصراً قرارها وسيادتها. تجارب دول عدة مع هذا الخيار خير مصداق. أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية الدكتور حسن جوني يرى في حديث لموقع "العهد" الإخباري أن لا شيء اسمه "تدويل" ومؤتمر دولي وحياد خارج عن إطار ميزان القوى. ثمّة تجارب عديدة لدول ذاقت الكأس المر جراء "التدويل". على سبيل المثال، ألمانيا التي عانت من القرارات الدولية وتعرّضت للتقسيم، سويسرا والنمسا أيضاً كانتا محتلتين من عدة دول. فالنمسا دولة مهمة جداً في التطور السياسي في أوروبا واحتلت من قبل عدة دول، الى أن جرى تدويل قضيتها بعد الحرب واتخذ القرار بحيادها. 

هذه أمور جيواستراتيجية كبيرة جداً بنظر جوني الذي يشير الى تجربة بعض الدول العربية التي تعرضت لتدخل خارجي ثم تدخل فُرض بموجبه على مجلس الأمن اتخاذ بعض القرارات سواء في ليبيا أو العراق. هاتان الدولتان تعرّضتا لتدخل عسكري مباشر نتيجة "تدويل" قضيتهما، والأخطر في ذلك أنّه سُلب من القوى الداخلية حقها في اتخاذ القرارات لتبقى في الشكل موجودة ولكن ليس لها أي قرار مؤثر. القرار المؤثر كان بيد الدول التي عملت على تدويل القضية على مستوى الأمم المتحدة وغيرها. الأمر ذاته ينطبق على سوريا، ولكن مع فارق أن سوريا كدولة بقيت قوية واستدعت حلفاءها لمجابهة التدخل الخارجي. يتحدّث جوني عن مخاطر "التدويل" خاصة لناحية اتخاذ قرارات على أساس الفصل السابع، كما حصل مع لبنان عندما جرى تدويله قضائياً، كقضية المحكمة التي أسست من أجل لبنان على أساس الفصل السابع، والقرار 1501 الذي يتحدث عن ضرورة انتخاب رئيس جمهورية وهذا يعد تدخلاً بالشؤون الداخلية. 

ميثاق الأمم المتحدة يتحدّث عن سيادة الدول

وقبل أن يغوص في الشق اللبناني، يلفت جوني الى أنّ التدويل هو اتخاذ قرارات تلزم فيها المجموعة الدولية دولا معنية بالصراع بقرارات تسلبها سيادتها كالانتداب وغيره. وهنا يشدد جوني على أنّ المادة 2 الفقرة 7 من ميثاق الأمم المتحدة تتحدث عن أنّه لا يجوز التدخل بالشؤون الداخلية لأي بلد. الفقرة الأولى أيضا تتحدث عن السيادة. بنظره، مسألة التدويل تتعلّق بأمور سيادية، ولا يمكن استحضارها لاختلافنا حول تشكيل الحكومة، فالخارج ليس محايدا. هذا الخارج دمّر بلدنا. الانتداب على لبنان يعد "تدويلا" كبيرا جداً. وهنا لا يخفي جوني أنّ وضع لبنان جرى تدويله منذ نشوئه، فنشأته حصلت بتدويل دولي من خلال تقسيم المنطقة بين الدول الكبرى. 

"التدويل" في لبنان قديم 

ويُشدّد جوني على أنّه جرى تدويل لبنان بتفاصيل حياته السياسية، فالتدخل الأجنبي فيه يومي سواء بالحياة السياسية أو الاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية. الدليل على ذلك، تحرك السفارات الأجنبية في لبنان وخاصة الدول الكبرى. برأي جوني، ربما يكون لبنان البلد الوحيد في العالم الذي يعد فيه سفراء الدول الكبرى من الشخصيات السياسية فيه. اذا دقّقنا في نشرات الأخبار نجد أنها تبدأ بتحرك السفراء. السفيرة الأميركية في لبنان معروفة لدى غالبية الشعب اللبناني، وكذلك الفرنسي. هذا الأمر غير موجود في أي دولة في العالم يقول جوني الذي يشير الى أنّ التدويل في لبنان قديم لأسباب جغرافية وتاريخية وثقافية، واذا ما نظرنا الى نهر الكلب نجد كل لوحات "الفاتحين" وهذا دليل أهمية هذا البلد.  

"التدويل" يحصل عادةً بعد حروب كبرى 

يغوص جوني بما يطرح اليوم من مؤتمر دولي يمكن وصفه بمقدمّة للتدويل، فيجد من الضرورة بمكان طرح الأسئلة التالية: ما الهدف من المؤتمر؟ ما الظروف الوطنية والإقليمية والدولية؟ هل هناك إمكانية لعقد هذا المؤتمر؟  ما الدول التي ستشارك في التدويل؟ هل الأمم المتحدة فقط أم ستشارك الصين وروسيا وإيران والعراق وسوريا وغيرها من الدول؟ هل هذا المؤتمر الدولي سيذهب الى التدويل كالمحكمة الجنائية من أجل لبنان التي عملت على تدويل القضاء؟. 

يتوقّف جوني عند ما سبق من أسئلة. يقول: " يقال إنّ الهدف من "التدويل" يكمن في وجود مشاكل في لبنان، حسناً، فليعطنا هؤلاء دولة في العالم لا تعاني من مشاكل. أميركا كانت على شفير حرب أهلية. بلجيكا بقيت أكثر من عامين حتى تمكنت من تشكيل الحكومة". يؤكّد جوني أنّ "التدويل" عادة ما يحصل بعد حروب كبرى، وليس لأنّ البعض عجز عن تشكيل حكومة. حتى أنّ الذهاب الى "التدويل" بحجة وجود مقاومة لن يعطي مشروعية لهذا الخيار -برأي جوني-  لأنّ كل دول العالم لجأت الى المقاومة لتحرير أرضها. 

ويدلّل جوني على نقطة مهمة، فالحرب في لبنان والتي عانينا منها كثيراً كانت نتيجة "التدويل" أي إنها أتت بقرار خارجي. وفي ما يتعلّق بالظروف، يسأل جوني: هل الظروف اللبنانية والاقليمية والدولية تسمح بهذا الخيار؟ برأيه، كل الدول اليوم لديها ما لديها من أزمات ومشكلات اقتصادية وسط الحديث عن حرب عالمية. حتى على الصعيد الداخلي اللبناني من سيطبّق القرارات؟ّ. عندما نتحدّث عن تدويل فنحن نعطي جزءا أساسيا من سيادتنا. من سيذهب مع هذا الخيار؟. وفي هذا الإطار، يستحضر جوني موقف نائبة المنسق الخاص للأمم المتحدة في ​لبنان​ نجاة رشدي الأخير والذي يختصر -بنظره- كل القضية. رشدي  قالت إنّ المؤتمر الدولي يتطلب أطرافا دولية تكون مستعدة للمشاركة، كما يتطلب قبولاً على المستوى الداخلي. 

مجموعة أسئلة على هامش طرح "التدويل" 

وفيما يشدّد جوني على ضرورة التركيز على مفاهيم الاحترام والسيادة فلبنان بلد لديه شعب ومقاومة، لا ينكر أنّ لبنان يعاني من أزمة اقتصادية صعبة جداً وخطيرة، لكنّ هذه الأزمة ليست الهم اللبناني الوحيد، فهم وجود الوطن مطروح أيضاً على بساط البحث لناحية مجموعة من القضايا يصح معها طرح مجموعة من الأسئلة: 

1- هل سيحافظ "التدويل" على هوية لبنان -لدى طرح قضية توطين الفلسطينيين- ليبقى وطناً كما هو موجود في التوازنات الداخلية أم سيغيّر هويته؟. 

2- كيف ستحل أزمة النازحين السوريين خصوصاً أنّ الخارج يريد توطينهم في لبنان؟ وعليه قد تتغير كل المعادلات في الدولة اللبنانية التي لا تشبه دولا أخرى لأنها وجدت بتفاهمات وتنازلات دولية، فتوطين النازحين سواء فلسطينيين أم سوريين -برأي جوني- يعني حربا داخلية في لبنان خطيرة جداً.

3- ماذا ستكون بنود المؤتمر الدولي في ما يتعلق بالحدود البحرية؟ بالتأكيد سيتبنى خط هوف ما يدخلنا بمعركة كبيرة جداً.

الأمور معقدة كثيراً -يقول جوني- الذي يشدّد على أنّ الظروف خطيرة، ومشكلة الأزمة اللبنانية اليوم تكمن في وجود التدخل الخارجي والدولي الذي أوصلنا الى ما نحن عليه. يذهب جوني أبعد من ذلك، لنفترض أن المؤتمر الدولي انعقد واتخذ القرار بتدويل القضية اللبنانية، من سيطبّق القرار؟ يسأل جوني الذي يردف تساؤله بسؤال آخر: هل الدواعش والارهابيون في لبنان والذين اعتدوا على الجيش اللنباني سيطبّقون القرار؟ هل سيكون مصيرنا التدويل كما حدث في سوريا والعراق وغيرهما؟ يختم جوني حديثه.

 

المصدر: العهد


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل