بانوراما الصحافة اللبنانية | لبنان يدخل المرحلة الثالثة من تخفيف القيود.. ومصارف مُهدّدة بالخروج من المشهد

الإثنين 01 آذار , 2021 11:28 توقيت بيروت لـبـــــــنـان

الثبات ـ بانوراما

تبدأ اليوم المرحلة الثالثة من إعادة فتح البلاد بعد الإقفال العام بسبب انتشار كورونا، وإن كان الواقع قد نسف على الأرض الفتح التدريجي الذي كان على الورق من قرارات، حيث عادت الناس إلى حياتها الطبيعية دون أن يكون لتطبيق المراحل وإجراءاتها أي مفاعيل.
ويبرز إلى الضوء اليوم الشأن المصرفي، حيث يعقد اجتماع مالي في مصرف لبنان برئاسة رياض سلامة، وسيضم المجلس المركزي ولجنة الرقابة على المصارف وهيئة الأسواق المالية، ويتناول شؤوناً مصرفية مهمة، وسط حديث عن مصارف لبنانية مُهدّدة بالخروج من المشهد المصرفي.

"الأخبار": تخفيف مزيد من القيود اليوم

خلافاً لما كان مُقرّراً في خطة إعادة الفتح التدريجي التي تنصّ على دخول المرحلة الثالثة لإنهاء الإقفال العام بدءاً من الاثنين المُقبل، تستأنف عشرات المحالّ والمؤسسات التجارية عملها اليوم، بموجب تعديل أُدخل على الخطة بفعل تفاقم الضغوط الاقتصادية، علماً بأنه، فعلياً، لا وجود لأي «هيبة» للخطة وإجراءاتها في ظلّ عودة الحياة إلى طبيعتها منذ أكثر من أسبوع، في وقت لا تزال فيه أعداد الإصابات اليومية بفيروس كورونا بالآلاف (2258 إصابة أمس و40 وفاة). ورغم أن نسبة إيجابية (نحو 13%) الفحوصات أقلّ مما كانت عليه قبيل الإقفال العام، إلا أن الأرقام لا تزال تُنذر بالخطر، وخصوصاً إذا لم تسر عملية التلقيح وفق المسار المطلوب لـ«اللحاق» بالفيروس.

واستناداً إلى سلوك المُقيمين وغياب الإجراءات الرقابية الرادعة، ومع خفوت حركة المُستشفيات الخاصة لرفع عدد الأسرّة، وفي ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية، ثمة خشية جدية من إعادة تفاقم الأعداد والاصطدام مُجدداً بخيار العودة إلى إقفال سادس.

في هذا الوقت، تتجه الأنظار إلى عمليات التلقيح بوصفها «سبيل الخلاص» الوحيد، ما يستوجب الحرص على حسن سيرها وفق الخطط التي وضعتها اللجنة الوطنية للقاحات التي صاغت المعايير المرتبطة بالأولويات، بعيداً من القرارات «السيادية» بـ«بَعْزَقة» اللقاحات على غير مستحقّيها.

وزارة الصحة العامة أعلنت، أول من أمس، وصول الشحنة الثالثة (42120 جرعة) من لقاح «فايزر»، ليصل مجموع اللقاحات التي تسلّمتها الوزارة حتى الآن إلى 101790 لقاحاً، على أن تنشر الوزارة جدولاً أسبوعياً يتضمّن تفاصيل حملات التلقيح في المراكز المعتمدة وتحديد كمية المخزون وعدد اللقاحات المسلّمة الى المراكز وعدد من تلقّوا اللقاح وعدد المسجّلين على المنصة. ولفتت الوزارة الى أنها «تتطلّع إلى أن تضع هذه المعطيات حداً للهواجس الناتجة من حملات إعلامية مغرضة وممنهجة وغير ذات صدقية».

إلى ذلك، سمحت وزارة الصحة لسبع شركات خاصة باستيراد لقاح «سينوفارم» الصيني، و11 أخرى باستيراد لقاح «سبوتنيك ــــ في» الروسي، وشركتين باستيراد لقاح «أسترازينيكا» البريطاني. وبذلك، تكون الوزارة قد وافقت على استخدام اللقاح الصيني، على أن تعلن ذلك رسمياً «خلال الأيام المُقبلة»، بحسب رئيس اللجنة الوطنية للقاحات الدكتور عبد الرحمن البزري.

وفي ظل إصرار شركات اللقاحات العالمية على حصر تعاملها مع الدول والسلطات الرسمية التي تمثلها، تطرح تساؤلات حول الآلية التي ستُعتمد لاستيراد اللقاحات. البزري أوضح أن وزارة الصحة عرضت على المؤسسات الراغبة في تأمين اللقاحات التفاوض نيابة عنها، «ولكن نتيجة إصرار الشركات الخاصة على قدرتها على استيراد اللقاح منفردة، قررت الوزارة السماح لها ضمن آلية تتيح لها الإشراف على ذلك، من ضمن خطة متكاملة بهدف الوصول الى هدف التمنيع المجتمعي المطلوب».

"الجمهورية": التدويل قد يستعجل التأليف 

لم يُسجّل امس اي تحرّك على خط الاستحقاق الحكومي بين القصر الجمهوري و»بيت الوسط» يوحي باستئناف البحث بين المعنيين في سبيل انجازه.

ولخّص زوار قصر بعبدا لـ «الجمهورية» اجواء الرئاسة من ازمة تأليف الحكومة على النحو الآتي:

1- «لو كان الرئيس المكلّف يريد فعلاً ان يشكّل حكومة، لكنا رأيناه في بعبدا يومياً، يناقش ويعرض ويستمع ويقرّر مع فخامة الرئيس. بعبدا اقرب من اي عاصمة زارها ويزورها. ففي اي عاصمة سيشكّل حكومة لبنان؟».

2- «لو كان الحريري يريد تشكيل حكومة لكان تواصل مع جميع الكتل النيابية بلا استثناء، وحتى ولو كانت حكومة اختصاصيين، فهي ايضاً تحتاج الى غطاء سياسي وثقة الكتل».

3- «لو كان يريد تشكيل حكومة لكان احترم الميثاق، أي الشراكة الكاملة بين المسيحيين والمسلمين، واحترم الدستور لجهة صلاحية رئيس الجمهورية وهي صلاحية كاملة وتشاركية مع صلاحية رئيس الحكومة في موضوع التشكيل، وإلّا لما كان المشرّع الدستوري أعطى الرئيس صلاحية اصدار مرسوم التشكيل».

4- «لو كان يريد تشكيل حكومة كان على الاقل أخذ من لائحة رئيس الجمهورية التي سرّبها الحريري بنفسه. والواقع انّه لم يأخذ».

5- «لو كان الحريري يريد تشكيل حكومة لكان رفع عدد اعضاء الحكومة الى 22 او 24، لكي لا يعطي رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط حصرية التمثيل المذهبي، فيصبح مالكاً مثل الشيعة حق «الفيتو»، إلّا اذا كان المقصود ان تملك الطوائف الاسلامية وحدها (سنّة وشيعة ودروز) القدرة على التعطيل ويمنع على المسيحيين ان يمتلكوا اي ضمان داخل مجلس الوزراء. ثم ان يرفع العدد الى 22 واكثر، يسمح بالالتزام بقاعدة الاختصاص، فلا يحصل اي وزير على حقيبتين لا علاقة لهما ببعضهما».

في «بيت الوسط»

وفي المقابل، ظلّ الجمود مسيطراً في «بيت الوسط»، ولم تُسجّل اي مواقف بارزة إزاء اي حدث، وخصوصاً ازاء اي جديد يتصل بعملية تأليف الحكومة. ولم يُسجّل للرئيس المكلّف سعد الحريري اي نشاط معلن، في وقت افادت معلومات لـ «الجمهورية» انّ الحريري يعقد إجتماعات سياسية وديبلوماسية بعيداً من الاضواء، لرصد المواقف من عملية التأليف، بعدما تحولت هذه المحطة مفتاحاً لمرحلة الإعمار والتعافي فور تشكيل الحكومة، لتنطلق برامج الدعم الخارجية عن طريق الهبات او العقود والقروض المخصّصة لقطاعات مختلفة، ولا سيما منها تلك التي تعني حياة اللبنانيين اليومية، وخصوصاً في قطاع الطاقة والخدمات الطبية والتربوية.

وعلى رغم هذه التحضيرات الجارية، فإنّ اوساط تيار «المستقبل» قالت لـ«الجمهورية»، انّ عقبات كبيرة لا تزال تحول دون التوافق على التشكيلة الحكومية وتعوق ولادتها، بالصيغة التي تحدثت عنها المبادرة الفرنسية التي ما زالت مطروحة على الساحة الدولية، وهي تحظى بالإجماع ولم تتقدّم عليها اي مبادرة اخرى.

"اللواء": القطاع التجاري إلى العمل 

ما خلا الأجندة السياسية، والانفراج السياسي، وحتى الحكومي، يحفل الأسبوع الأوّل من آذار بعدة استحقاقات، منها التلقائي، ومنها المبرمج، مثل ملاءة المصارف، وفقاً لتعاميم مصرف لبنان، لا سيما التعميمين رقم 567 و154 والذي صدر في 26/27 آب الماضي، والمتعلقة بإلزام المصارف بتوفير 3 مليارات و375 مليون دولار، لـ3٪ من ميزانيتها بالعملة الصعبة، والتي انتهى أمس 28 شباط، ومنها أيضاً مآل الانتقال إلى المرحلة الثالثة من التخفيف من الإجراءات المؤدية الى الانتقال التدريجي لإعادة فتح البلد، فضلاً عن مآل تعويل صفقة شراء الفيول لزوم مؤسسة كهرباء لبنان، بعد عدم وفاء المؤسسة بتعهداتها بالعودة الى الانتظام بالتقنين بدءً من بعد ظهر السبت الماضي، لكن التقنين زاد، وخرج المواطنون إلى الشارع للمطالبة بعودة الكهرباء، وترقب، من جهة أخرى، كيفية توزيع اللقاحات، والطعوم التي يتعين ان يتناولها اللبنانيون، مع إعادة فتح البد، إذ بلغت منصة اللقاحات، تلقح أكثر من 50 ألفاً تناولوا الطعوم، حسب وزارة الصحة.

وفي هذه الأجواء، رسمت مصادر متابعة لعملية تشكيل الحكومة الجديدة صورة تشاؤمية عن مصير الاتصالات الجارية لتشكيل الحكومة، ووصفت الوضع الحالي بالمغلق داخليا في الوقت الحاضر. وحددت المصادر النقطة التي توقفت عندها المشاورات بتسلم رئيس الجمهورية ميشال عون التشكيلة الوزارية من الرئيس المكلف سعد الحريري من دون ان يعطي رده النهائي عليها، سلبا أو إيجابا حسب الدستور في حين تمحورت المشاورات التي تلتها على محاولة التملص من التفاهمات السابقة، ان لجهة حجم الوزارة او توزيع الحقائب او تسمية الوزراء.

بينما كانت مواقف رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل المباشرة وغير المباشرة هي التي تتحكم من وراء الكواليس كما هو معلوم في اعاقة حسم ملف التشكيل بكل امكانياته ووضع ما يمكن من عراقيل مفتعلة ومطالب تعجيزية بهدف ابتزاز الرئيس المكلف والالتفاف على صيغة تأليف حكومة مهمة من الأخصائيين استنادا للمبادرة الفرنسية لفرض حكومة محاصصة مستنسخة عن الحكومات السابقة، يستحصل فيها على حصة الثلث المعطل مع الاحتفاظ بالوزارات الوازنة كوزارة الطاقة وغيرها.

وفي اعتقاد المصادر ان التعطيل المتعمد من قبل الفريق الرئاسي لعملية تشكيل الحكومة الجديدة لم يعد محصورا به، بل تجاوزه بشكل واضح الى حزب الله الذي يوجه مواقف مسايرة وحمالة أوجه لتاليف الحكومة، ولكنها لا تقدم او تؤخر،بل تزيد في الشكوك حول النوايا الحقيقية للحزب، والتي تؤشر في مكان ما الى تأجيل البت بالتشكيل حاليا، والاستمرار بسياسة المماطلة وابقاء الملف اللبناني رهينة واستغلال من قبل ايران لتقايض عليه في المفاوضات المرتقبة حول الملف النووي الايراني مع الولايات المتحدة الأميركية لصالحها على حساب مصلحة لبنان واللبنانيين.

وازاء الانشغال، بما حدث السبت في بكركي، قالت مصادر مطلعة لـ«اللواء» أن الفرقاء المعنيين قالوا رأيهم في تحرك بكركي وما جرى يوم السبت، لكن الأنظار تبقى مشدودة إلى خطوات البطريرك الماروني بعد موقفه الأخير والأصداء الدولية حوله مع العلم ان البطريرك الراعي فسر لعدد من المسؤولين والسفراء العرب والأجانب طرحه من الحياد.

وتوقعت المصادر أن تستمر مفاعيل خطاب البطريرك. دون معرفة ما إذا كان هناك من لقاء قريب سيجمعه مع رئيس الجمهورية بعد التحرك الأخير.

إلى ذلك أوضحت أوساط مراقبة لـ«اللواء» أن للحياد شروطه ولا بد معرفة من يحايد من ومع من سيصار إلى ممارسة الحياد ولفتت إلى أن ما من أحد ضد الحياد في لبنان لكن السؤال المطروح هل من قدرة على حماية الحياد وفرض هذا الأمر على الدول المجاورة وجعلها تحترم الحياد.

العقد الحكومية

حكومياً، يبدو أن المساعي التي قام بها اكثرمن طرف محلي وخارجي لم تسفر عن حلحلة العقد المستحكمة بتشكيل الحكومة، بسبب بقاء مواقف الرئيسين عون والحريري على حالها، حول حقيبتي العدل والداخلية وتوسيع الحكومة الى عشرين وزيراً. وذكرت مصادر مطلعة على موقف الحريري انه وافق على مبادرة الرئيس نبيه بري واللواء عباس ابراهيم ومن ثم البطريرك بشارة الراعي، بأن يختار الرئيسان وزيري حقيبتي العدل والداخلية واحد لكل منهما بالتوافق، بينما يرفضها عون ويصر على تسمية احد الوزيرين والتوافق على الآخر. فيما عدد وزراء الحكومة والثلث المعطل غير قابلين للبحث.

واوضحت المصادر ان الحريري لن يرضى بما يحاول ان يفرضه عون، لذلك هناك تباعد كبير بين طرحي الرئيسين.

ورأى رئيس لجنة المال والموازنة النيابية إبراهيم كنعان ان أمر الحكومة هو بين الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس الجمهورية وطالب الحريري بوتيرة أسرع للتواصل مع الرئيس ميشال عون.. ودعا للخروج من الأزمة بإعادة بناء الثقة، مطالباً بالتفاهم على مشروع الحكومة..

المرحلة الثالثة

وتنطلق اليوم، الاثنين 1 آذار المرحلة الثالثة من إعادة فتح البلد تدريجياً، بعد اقفال تام دام نحو شهرين، وفقاً لإجراءات وشروط خاصة بملف مكافحة كورونا.

وأعلنت ​غرفة العمليات الوطنية لإدارة الكوارث​ عن إجراءات ​الفتح​ التدريجي الجديدة بدءا من اليوم، ويبقى تدبير حظر الخروج والولوج معمولا به اعتبارا من الساعة الثامنة مساءً للساعة 5 صباحا مع الزامية ارتداء ​الكمامة، وتمنع التجمعات على الشواطئ والأرصفة باستثناء ​الرياضة​ الفردية وتبقى ​الحدائق العامة​ مغلقة، وتمنع التجمعات والمناسبات الدينية والإجتماعية، ويتم التقيد بعدد 3 أشخاص ضمنهم السائق عند الإنتقال بواسطة ​السيارات العمومية​، و50 بالمئة من سعة باقي وسائل النقل، مع الزامية ارتداء الكمامة لجميع الركاب، وأوضحت الغرفة المؤسسات التي يجب على المواطنين الإستحصال على إذن من المنصة للذهاب إليها.

"الديار": مصارفٌ لبنانية مُهدّدة بالخروج من المشهد المصرفي

تنصّ النظرية الاقتصادية على أن دور المصارف في اللعبة الاقتصادية هو تمويل الاقتصاد بشقّيه الاستثماري والاستهلاكي. ماذا فعلت المصارف التجارية في الحقبة الماضية؟ الجواب هو أن المصارف موّلت الإستهلاك، وموّلت الدولة اللبنانية بشكل أساسي وبشكل أقلّ الاستثمار. وبعد بدء الأزمة في أيلول من العام 2019، تحوّلت هذه المصارف إلى شبابيك للسحوبات النقدية (Counters) وأصبح دورها محصورًا بشكل خاص على إعطاء المودعين قسمًا من ودائعهم بالليرة اللبنانية، ودون السعر السوقي للدولار الأميركي. وهذا يعني في الواقع بالنسبة للمودع عملية مزدوجة من الكابيتال كونترول الإستنسابي والهيركات!!

من التبريرات الشائعة القول أن المصارف اللبنانية تعرضت لكمٍ هائل من الضغوطات على رأسها التراجع الإقتصادي الكبير، العجز في الموازنة العامة، جائحة كورونا، قرار وقف دفع سندات اليوروبوندز، الأزمة السياسية#0236 وغيرها. إلا أن جميع ذلك لا يعفيها من تحمّل قسم كبير من المسؤولية في الأزمة المصرفية، ولعل أبرزها وقوعها في مخاطر التركيز والطمع في الربح السريع.

فقد فضلت أكثر المصارف إقراض الدولة على تمويل القطاع الخاص بشقّيه الإستثماري والإستهلاكي، مُعتبرة أن المخاطر على القطاع الخاص كبيرة جدًا وبالتالي وعملاً بالنظرية المالية التي تنصّ على أن الدولة هي اللاعب الأكثر ملاءة، قامت بإقراضها بشكل مُفرط وغير مدروس! فبحسب أرقام كانون الأول 2017، أقرضت المصارف الدوّلة اللبنانية 14.18 مليار دولار أميركي على شكل سندات يوروبوندز. في المُقابل أقرضت هذه المصارف القطاع الخاص (بالدولار الأميركي) ما يُقارب الـ 41 مليار دولار أميركي من أصل 115.9 مليار دولار أميركي ودائع القطاع الخاص بالعمّلة الصعبة وإذا ما حسمّنا أيضًا الإحتياطي الإلزامي والبالغ 17.39 مليار دولار أميركي، فهذا يعني أن هناك 43.5 مليار دولار أميركي تمّ توظيفها خارج الماكينة الإقتصادية.

المُشكلة في التوزيع السابق هو الآتي: قيمة القروض إلى الشركات في نفس الفترة بلغ حدود الـ 20 مليار دولار أميركي بأحسن الأحوال (تقديراتنا) أي ما يوازي 41% من الناتج المحلي الإجمالي في حين أن إجمالي ما أقرضته هذه المصارف إلى الدوّلة بالعملة الصعبة يوازي 29% من الناتج المحلّي الإجمالي. بمعنى أخر، بلغت نسبة التركيز في القروض بالعملة الصعبة للدولة اللبنانية مستوى هائلاً جدًا في حين أن مبدأ التنويع والإحتراز يفرض أن لا يزيد هذا التركيز عن 5%. يضاف إلى ذلك، وعملاً بالنظرية المالية، أن ملاءة الدولة هي بعملتها وليس بالعملة الصعبة! فأين كانت المصارف من هذه المخاطر؟ وأين كانت لجنة الرقابة على المصارف من هذه النسبة من التركيز؟ هذه الأسئلة المشروعة تأتي في ظلّ عجز الموازنة والفساد المُستشري والذي جعل من العجز مرضًا خبيثاً منتشراً ومُزمنًا بحيث صارت العلاقة بين العجز والدين علاقة ميكانيكية!

وبالنظر إلى هيكلية الدين الإجمالي للبنان أي دين القطاع العام إضافة إلى دين القطاع الخاص، نرى أن دين القطاع العام بلغ 150% من الناتج المحلّي الإجمالي مقارنة بـ 116% للقطاع الخاص (أرقام العام 2017). والمعروف أن نصف دين القطاع الخاص (أقلّه) كان على شكل قروض إستهلاكية، وإذا ما وضعنا جانباً القروض الإستثمارية التي دعمها مصرف لبنان ضمن رزمه التحفيزية، نستنتج أن المصارف اللبنانية أقحمت نفسها في موقف صعب مع تعرضها للنشاط الإقتصادي المُتردّي أصلاً وذلك على صعيدين: القطاع الخاص الذي يقترض بهدف الإستهلاك ويُسدّد من نشاطه الإقتصادي (المبني على الإستيراد)، والقطاع العام الذي يستدين لسد عجزه ويُسدّد من ضرائب على النشاط الإقتصادي.

وإذا ما قارنا هيكلية الدين الإجمالي في لبنان مع بعض الدول الأجنبية (أرقام العام 2017) نرى أن حجم الدين الإجمالي كان موازيا تقريباً لحجم معظم الدول (لبنان: 257% من الناتج المحلّي الإجمالي، أميركا: 269%، المانيا: 258%، الصين: 283%، كوريا الجنوبية: 286%)، إلا أن هناك خللاً يُمكن ملاحظته في هيكلية الدين الإجمالي اللبناني. ففي حين أن الدين العام في هذه الدول السابقة الذكر هو تحت عتبة الـ 90% من الناتج المحلّي الإجمالي، نرى أن الدين العام في لبنان تخطى الـ 150%. كما أن قروض القطاع الخاص في هذه الدول تتخطى الـ 150% من الناتج المحلّي الإجمالي في حين أن هذه النسبة في لبنان هي 116% ومعظمها قروض إستهلاكية (أقلّه النصف) وليست إستثمارية للشركات. وعلى هذا الصعيد، يجدر الذكر أن مشكلة الصين الحالية هي مُشكلة معاكسة للبنان من ناحية أن دين الشركات الخاصة عالٍ جداً نسبة إلى الناتج المحلّي الإجمالي ويبلغ ضعف دين الشركات الخاصة في الولايات المُتحدة الأميركية. وكخلاصة، يُمكن الإستنتاج أن المصارف اللبنانية كانت توظّف الأموال بشكل أساسي في الـ repo وسندات الخزينة (See the Income Statement of the Banks). وهذا الأمر أفقدها دورها الإقتصادي وجعلها رهينة الوضع المالي الحكومي السيئ.

القرار الأساسي رقم 6939 وموضوعه الإطار التنظيمي لكفاية رساميل المصارف العاملة في لبنان، وبالتحديد المادة الحادية عشرة تفرض على كل مصرف وضع خِطّة شاملة لإعادة التقيّد بالمتطلبات الرأسمالية وبالأنظمة المفروضة من مصرف لبنان وتحوي هذه الخطّة على إستراتيجية المصرف، والفترة التي يحتاجها المصرف لتنفيذ هذه الخطّة، والأخذ بعين الإعتبار المؤونات المطلوبة من قبل السلطات النقدية والمصرفية وما قد يترتّب على ذلك من مخاطر قد تتعرّض لها المصارف. هذا التعميم صدر في 2020/8/26 أي بعد جريمة مرفأ بيروت!

القرار الأساسي رقم 154 هو قرار يذهب بإتجاه إستعادة المصارف دورها الذي أنيط بها من قبل النظرية الإقتصادية أي تمويل الإستهلاك والإستثمارات، وهذا ممرّ إلزامي! القرار يحوي على العديد من النقاط، ومنها (1) رفع رأسمال المصرف بنسبة 20% و(2) إمتلاك حساب خارجي حرّ من أي إلتزامات لدى المصارف المراسلة لا يقلّ عن 3% من مجموع الودائع بالعملات الأجنبية، و(3) حثّ الزبائن الذين حوّلوا مبالغ تفوق الـ 500 ألف دولار أميركي على إعادة 15% أو 30% للأشخاص المعرّضين سياسيًا.

فيما يخصّ شرط رفع رأس المال، تُشير المعلومات المتوافرة إلى أن مُعظم المصارف تقريبًا إستوفت هذا الشرط، إلا أن المُشكلة هي بزيادة السيولة لدى المصارف المراسلة وهو أمر صعب التحقيق بالنسبة للعديد من المصارف. هذا الأمر هو نتيجة طبيعية لنموذج عمل العديد من المصارف الموجودة عن غير جدارة أي أنها أمّنت أرباحها من الفوائد على القروض للدولة اللبنانية من أموال المودعين. لذلك من الطبيعي القول أن المصارف غير القادرة على إستيفاء شروط القرار الأساسي 154، يتوجّب عليها تغيير مهنتها! وبحسب تقديراتنا، فإن أكثر من العديد من المصارف سيتمّ دمجها أو إستحواذها من قبل مصرف لبنان وبالتالي فإن المشهد المصرفي لن يكون كالسابق.

بالنسبة لحثّ الزبائن الذين حوّلوا أكثر من 500 ألف دولار في الفترة المُمتدّة ما بعد 2017/7/1، على إعادة 15% أو 30% (للمعرّضين سياسيًا)، يجب معرفة أن الإقتصاد اللبناني هو إقتصاد حرّ وبالتالي لا يوجد أي قانون يُلزم هؤلاء بإرجاع أموالهم أو قسم منها. من هذا المُنطلق، يحوي القرار الأساسي 154 على تهديد وتحفيز في نفس الوقت لحثّ هؤلاء على إعادة الأموال:

- على صعيد التهديد، هناك قانون رقم 44/2015 المُتعلّق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والذي يسمح لهيئة التحقيق الخاصّة وهي هيئة لا تسري عليها السريّة المصرفية، أن تقوم بالبحث عن مصدر الأموال غير المشروعة كما حدّدتها المادة الأولى من القانون 44/2015 والتي تصنّف الأموال غير المشروعة ومن بينها الفساد، التهريب، التهرّب الضريبي، الإثراء غير المشروع وغير ذلك من النقاط التي تنصّ عليها شرعة حقوق الإنسان. لذا فإن المودع الذي يستطيع إثبات مصدر أمواله وشرعيتها، يُمكنه تجاهل هذا الطلب، لكن في حال كان مصدر الأموال غير شرعي، فيحق في هذه الحالة لهيئة التحقيق الخاصة عملاً بالمادّة السادسة من القانون 44/2015 أن تُجمّد أموال الشخص المعني سواء في لبنان أو في الخارج.

- على صعيد الحثّ، المادّة الثانية من القرار الأساسي رقم 154، تنصّ بكل وضوح على دفع فوائد على هذه الأموال المُجمّدة دون التقيّد بسقوف الفوائد المعمول بها. أيضًا في نفس المادّة، هناك إلزام للمصارف بإعادة هذه الأموال إلى أصحابها بعد إنقضاء فترة الخمس سنوات بنفس الطريقة التي إستلمتها بها مهما كانت الظروف.

ويبقى السؤال: هل يُمدّد مصرف لبنان مهلة تطبيق القرار الأساسي 154 أو أنه سيعمد إلى تطبيقه مع علمه المُسبق أن العديد من المصارف لا تستوفي الشروط؟

من الناحية العملية، أولاً هناك مخاوف لدى المصارف اللبنانية من ناحية إلزامها تمويل الإستيراد في ظّل إستمرار التهريب، خاصة أن المادّة الثانية من القرار الأساسي رقم 154، تنصّ على إستعمال الأموال لتسهيل العمليات الخارجية المُحفّزة للإقتصاد. وبالتالي يتساءل القيمون على المصارف اللبنانية عن جدوى الإلتزام بهذا التعميم في ظل غياب أفق سياسية لحلحة الوضع.

وثانياً، إبتداءً من نهار الإثنين ـ أي اليوم ـ ، ستقوم المصارف بإرسال ملفّاتها إلى المصرف المركزي لكي تقوم لجنة الرقابة على المصارف بدراسة هذه الملفات ومن ثم ترفع توصياتها إلى المجلس المركزي الذي سيأخذ القرار المُناسب. في الواقع، الوضع السياسي، قد يضغط لصالح تمديد الشق المُتعلّق بزيادة السيولة لدى المصارف المراسلة لبعض المصارف التي تُظهر جدّية في قدرتها على تأمين السيولة.

تطبيق هذا القرار الأساسي يضع مصرف لبنان أمام إمتحان مصداقية أمام الأسواق المالية خصوصًا أن فشل تطبيق هذا القرار يعني نهاية القطاع المصرفي الذي تدخل المحافظة عليه ضمن نطاق مهام مصرف لبنان التي نصّت عليها المادة 70 من قانون النقد والتسليف. هذه المصداقية تنصّ على مُعالجة الثغرات التي شابت عمل المصارف في المرحلة السابقة خصوصًا من ناحية السياسة الإقراضية التي إتبعتها هذه المصارف ولكن أيضًا إخراج المصارف التي لا تستطيع حماية الودائع الموجودة عندها، من القطاع المصرفي. وبالتالي فإن مصداقية مصرف لبنان تنصّ على إلزام المصارف وضع خارطة طريق واضحة لإعادة الودائع إلى أصحابها. وإذا كانت المصارف اللبنانية تأخذ الوضع السياسي القائم على أنه عذر شرعي لها في عملية النهوض، إلا أن الأخذ بعين الإعتبار هذا العامل قد لا يشكل عاملاً أساسياً بالنسبة للنظرة الخارجية بحكم أن هذه النظرة صنّفت وستُصنّف المصارف اللبنانية على أنها معرضة بقوة، أي أكثر مما يجب للمخاطر السياسية. وهذا قد لا يساعدها في النهوض في المستقبل بحكم إن العامل السياسي المتقلب والضاغط في لبنان لا يتوقع زواله لا قريباً ولا مستقبلاً، لذا، برأينا يجب أن تنأى المصارف في خططها عن إعطاء هذا العامل وزناً ثقيلاً...

في هذا الوقت، أخذ بعض الصرافين الرئيسيين في بعض المناطق (نتحفظ عن ذكرها) بتعميم شائعات عن قرب وقف العمل بالشيكات المصرفية وبالتالي فإن نسبة الكاش إلى قيمة المبلغ ستُصبح 20% بعد أن كانت سابقًا 30% مما يعني زيادة أرباح بعض المضاربين! هذا الأمر يعني خلق فوضى في السوق خصوصًا أن بعض المودعين سيعمد إلى الإستعجال بسحب أمواله عبر شيكات مصرفية وبالتالي سيؤدي ذلك الى إرتفاع بسعر صرف الدولار في المرحلة المُقبلة وتسجيل خسارة كبيرة على المودعين!

إن وقف العمل بالشيكات هو قتل للقطاع المصرفي ومن خلفه الإقتصاد ومن بعده ضرب معيشة الناس! من هذا المُنطلق، المطلوب من الأجهزة الرقابية ملاحقة مُطلقي هذه الشائعات إضافة إلى تجّار الشيكات التي خلقت Arbitrage بحكم القيود على السحب. هذا الأمر يفرض إقرار قانون الكابيتال كنترول ولكن أيضًا وقف التعامل بالدولار الأميركي بكل أشكاله في التعاملات التجارية الداخلية ووقف التجارة بالشيكات المصرفية لأن الحلقة الأضعف في كل هذه اللعبة القذرة، والضحية من وراء كل ذلك سيبقى بدون أدنى شكّ المواطن اللبناني.

ومن هنا لا بد للنظام المصرفي إذا ما أراد النهوض من جديد في ظل التعاميم التي تحاول جاهدة أن تحيي من جديد روح الثقة، ليس فقط أن تؤكد على أحقية قبض التحويلات الخارجية نقدًا، فهذا أضعف الإيمان، ولكن أن ترسم النظرة المستقبلية للودائع المحجوزة لديها، وإلا فما أدرانا أن الحساب «لفريش» الآن لن يتحول مع أي أزمة جديدة إلى فئة دولارية جديدة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل