أقلام الثبات
ليس التصعيد العسكري بين القوات الأرمنية والأذربيجانية الذي يشهده إقليم قره باخ حاليا، إلا أحدث محطات الصراع المستمرمنذ 30 عاما،لكنه أكثرها خطورة منذ هدنة 1994، فإقليم قره باخ الذي يسميه الأرمن "أرتساخ" ويعتبرونه جزءا من أرمينيا القديمة، شهد النزاع منذ بدايات ترنح الاتحاد السوفياتي عام 1988متزامنا مع اندلاع النزاعات القومية لوراثة الاتحاد المتهالك،سيما مع دعوة المجلس التشريعي في قره باغ لنقل الإقليم الذي كان تحت الحكم الذاتي، إلى أرمينيا، لكن سلطات أذربيجان رفضت ذلك، فأخذ التوتر في المنطقة يتفاقم إلى أن اندلعت اشتباكات بين الأرمن والأذربيجانيين تخللها مظاهر قتل وتدمير وتهجير.
وردا على إعلان قره باخ استقلالها عام 1991 أرسلت باكو قواتها إلى الإقليم المتمرد، لكنها فشلت في اخضاع سكان الاقليم الذي له جيشه الخاص،وفقدت أذربيجان السيطرة على قره باخ و7 مناطق متاخمة له، قبل أن توقع أرمينيا وأذربيجان وقره باخ على بروتوكول وقف إطلاق النار في مايو 1994.لكن اية دولة لم تعترف بالاقليم كدولة بما فيها ارمينيا التي تعتبر الظهير الاول للاقليم الذي تسكنه غالبية ارمنية كما لا تشارك سلطات قره باخ في مفاوضات التسوية التي تجري برعاية "مجموعة مينسك" التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، والتي تضم روسيا والولايات المتحدة وفرنسا، لأن أذربيجان لا تعترف بها كطرف في النزاع.
وتطالب أذربيجان بإعادة كل "الأراضي المحتلة" دون أي شرط، وتصر على عودة الأذريين النازحين من قره باخ و"المناطق المحتلة" المتاخمة له، والذين يقدر عددهم بنحو 600 ألف شخص، إلى مناطقهم الأصلية.
وقد أعلنت باكو مرارا عن استعدادها لاستعادة هذه الأراضي بواسطة القوة المسلحة، في حين تفرض تركيا حليفة أذربيجان، حصارا على أرمينيا، ومن بين الشروط التي تطرحها أنقرة لفتح الحدود مع أرمينيا تسوية الخلاف على الأراضي مع أذربيجان.
الا ان هذه الحلقة من الصراع العسكري ،والذي تبدو قاسية هذه المرة اكثر من غيرها، لها ابعاد متعددة في ضوء التداخلات الاقليمية والدولية في منطقة القوقاز المتاخمة لروسيا وايران اللتين تخوضان صراعا عنيدا في مواجهة المطامع الاميركية وأدواتها الاطلسية وصولا الى الكيان الصهيوني الذي يقيم قواعد متميزة في اذربيجان على المستوى الاستخباراتي على وجه الخصوص ،ومنها جرى التخطيط لاغتيال علماء نوويين ايرانيين في السنوات السابقة،
الا ان الدور التركي يبدو اكثر نشاطا، باعتبار اذربيجان مجالا حيويا له منذ ايام السلطنة العثمانية ,وبهذا لم يتوان الرئيس التركي عن القول في خضم هذا الصراع المتجدد لأن يقول ان بلاده بصفتها أمة ورثت الحضارة العثمانية والسلام في البحر المتوسط، تريد إعادة إحياء مناخ السلام في هذه المنطقة.وهذا يعني ان طموحاته في دور اكبر من حجم تركيا في طريقه الى التبلور ،وهذا ليس بعيدا عن خط نقل الغاز عبر اذربيجان ،في ذروة الصراع التركي - القبرصي الاوروبي بسبب التنقيب التركي في مناطق نزاع ,ادت الى تبلور حلف جمع الى قبرص واليونان كلا من اسرائيل واليونان ومصر وفرنسا ايضا ،وهذا ما يمكن ان يكون سببا للتوتير في القوقاز ،فهو من جهة يعمد الى ابتزاز روسيا التي تشدد على انهاء الارهاب المدعوم من تركيا في الشمال السوري من جهة، وممارسة الضغط على ايران بطريقة غير مباشرة من جهة ثانية ،وهذا ما يخدم المشروع الاميركي بشقيه الروسي والايراني ،ويرضي الاطلسيين بنقل احد اضلع المعركة الى الجوار الروسي والايراني ،ويعيد خلط بعض الاوراق لصالح تركيا وهذا ما يعطي سلطات الهام علييف في اذربيجان ثقة في الاقدام على احتلال اقليم قره باخ مدعوما من الجيش التركي ،وهو ما اعلنه اصلا وزير الدفاع التركي بموازاة الحديث عن الدعم لاذربيجان على المستوى العسكري ،وفي ضوء المعلومات عن نقل مرتزقة الى اذربيجان.
أن تطور الصراع بين بين اذربيجان وارمينيا التي اعلنت التعبئة بدورها ،يشكل بالنسبة لموسكو مشكلة كبيرة و"صداعا كبيرا" لأن الجانب الروسي لا يريد إفساد العلاقات مع أي من الجانبين، وخصوصا أن لروسيا قواعد هامة في ارمينيا يتموضع فيها 7 الاف ضابط وجندي واسلحة متطورة في ضؤ الانتشار لمواجهة الحلف الاطلسي .
"بالإضافة إلى ذلك، ليست لدى روسيا، رغبة في فتح جبهة مواجهة أخرى مع تركيا - فهناك إدلب وليبيا- وبالطبع، هذا كله غير سار أبدا بالنسبة لموسكو. ولذلك سيتم بذل جهود من خلال قنوات مختلفة، بما في ذلك الشتات، من أجل الحيلولة دون مزيد من التصعيد".سيما ان توازن القوى بين اذربيجان من جهة واقليم قره باخ +ارمينيا متوازن الى حد بعيد في عدد الجنود والتسليح .
ان اراقة الدماء بين شعبي بلدين كانا حتى الامس القريب تحت راية واحدة ،لن يكون في صالح اي منهما مهما كانت النتائج ،والمستفيد منها فقط الغزاة الذين سيعمدون الى نشر الارهاب في القوقاز كطريق للسيطرة على منابع الثروات، تماما مثلما حصل في اي منطقة من العالم ولا سيما في الشرق .