ماكرون يحدد المسؤوليات.. ماذا بعد؟ ـ د. ليلى نقولا

الإثنين 28 أيلول , 2020 10:25 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

كان المؤتمر الذي عقده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول لبنان، بعد فشل المبادرة الفرنسية واعتذار مصطفى أديب عن استكمال مهمته، لافتاً لناحية التوقيت والمشهد الذي عكسه من حيث الاهتمام الفرنسي بلبنان، والتعابير التي يمكن اعتبارها "تدخلاً في الشؤون الداخلية" لو حصلت في أي بلد آخر غير لبنان المأزوم اقتصادياً والمهترئ سياسياً والمنخور حتى العظم بالتدخلات الخارجية.

وتزامن مشهد الرئيس الفرنسي الذي يخاطب اللبنانيين بصراحة وقسوة، مع مشهد الارهاب الذي يضرب الشمال اللبناني، انطلاقاً من الحدود السورية وصولاً الى عمق محافظة الشمال والذي أودى بحياة العديد من شهداء الجيش الذين ماتوا دفاعاً عن وطن يستبيحه سياسيوه بلا رحمة.

العلامة الفارقة في كلام ماكرون في تحديده لأسباب فشل المبادرة الفرنسية، والنأي بنفسه عن أي مسؤولية في النتائج والحائط المسدود الذي وصلت إليه المبادرة، علماً أن التدقيق الفعلي في النتائج الحقيقية يشير الى ارتكاب الفرنسيين أخطاء عدّة قادت الى هذه النتيجة، وحصر ماكرون المسؤوليات في ما يلي:

- الإطار الأول والأساسي كان إدانة حزب الله وتحميله مسؤولية فشل المبادرة بالدرجة الأولى، والإدعاء بأن تشدد الرئيس برّي في موضوع وزارة المالية كان "بضغوط من حزب الله"! علماً أن العديد من المراقبين في لبنان والخارج كانوا يتحدثون عن أن الرئيس برّي قد جرّ الحزب الى المستنقع المذهبي والمطالبة بوزارة المالية كحصة مذهبية، بعدما كان قد أظهر نفسه اقليمياً وكأنّه أكبر من التناتش اللبناني المذهبي على وزارات.

لماذا يتحدث ماكرون عن ضغوط على الرئيس برّي ويحصر المسؤولية في حزب الله وحده بالرغم من أن الثنائي كان متكافلاً متضامناً في موضوع وزارة المالية وتسمية الوزراء الشيعة!. هل هي عبارات انحناء أمام عاصفة أميركية بعدما اتهمه الأميركيون - على لسان وزير الخارجية بومبيو- بأنه كان متساهلاً مع حزب الله الى درجة كبيرة؟ هل هي ترضية إقليمية للسعودية بعدما تبيّن أن السعودية ليست في وارد تسهيل ولادة أي حكومة لبنانية، خصوصاً بعد الخطاب الناري الذي نُقل عن الملك سلمان في الأمم المتحدة؟ أم إنها نتيجة منطقية لتوزيع أدوار قام به الثنائي، فتمّ وضع المسؤولية على الحزب انطلاقاً من فكرة "ما همّ الغريق من البلل"، وهو الذي جعل الرئيس برّي يعلن بأنه يتعرض لضغوط للمطالبة بوزارة المال؟

- وفي الإطار الثاني من تحميل المسؤوليات، كانت الإدانة الماكرونية لسعد الحريري، التي أتت مخففة جداً بحيث اتهمه بتطييف الحقائب الوزارية فحسب، علماً أن الحريري ومعه رؤساء الحكومات السابقين، حاولوا الاستئثار بتسمية الوزارء واعتبار ان هذه الحكومة يمكن أن تشكّل فرصة للانقلاب على نتائج الانتخابات النيابية، وكسر إرادة الأفرقاء الآخرين، والوصول من خلال المبادرة الفرنسية الى نتائج عجزوا عن تحقيقها سواء من خلال التلطي بثورة 17 تشرين الأول أو سواها.

- وفي الإطار الثالث، قام ماكرون بتحميل الرئيس ميشال عون "مسؤولية إعادة اطلاق المشاورات سريعاً من أجل تأليف الحكومة الجديدة"، أي أنه رمى الكرة في ملعب الرئيس عون الملزم أساساً بالدستور بإطلاق تلك المشاورات، لكن الالتباس يأتي من مفردة "سريعاً" وماذا تعني في الترتيب الاقليمي والدولي المنتظر نتائج الانتخابات الاميركية؟.

الأكيد، أن ما لم يقله ماكرون، أتى في مهلة الستة اسابيع التي أعطاها أعطى لمبادرته للوصول الى نتيجة، وهي المدة الزمنية الكافية لتخطي الانتخابات الأميركية وانشغال الأميركيين بمشاكلهم الداخلية سواء بإعادة إنتخاب ترامب أو بانتخاب بايدن، وفي الحالتين سيكون الأميركيون مشغولون بمشاكلهم الداخلية( لن تمر الأمور بسلاسة داخل الولايات المتحدة مهما كانت النتائج) وبالتالي يمكن استغلال الظرف لتمرير المبادرة الفرنسية، والضغط على السعودية لتسهيل المبادرة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل