أقلام الثبات
يرفع ممثل المبادرة الفرنسية وهو في الوقت نفسه، ممثل تجمع رؤساء الحكومات السابقين، الرئيس المكلف تشكيل حكومة لبنانية، مصطفى أديب عبد الواحد، شعار حكومة مهمة لحكومته المزمعة. وصار معروفاً أنه يريد أن يشكلها باشراف مرجعيته المكونة من الرؤساء سعد الحريري وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي، بمعزل عن القوى السياسية والكتل النيابية المعنية باعطائه ثقة المجلس النيابي، بما يعني أن طابخي تكليفه يريدون منه تراس حكومة يصدر مرسومها من قصر بعبدا، من دون أن تدخل إلى ساحة النجمة، لأنها غريبة عن الأكثرية النيابية، فتصبح حكومة تصريف أعمال يديرونها بواسطته وتحل مكان حكومة الرئيس المستقيل حسان دياب في إدارة البلد.
أول انطباع عن هذه الحكومة، أن وظيفتها هي أن تكون حكومة مواجهة، تتولى تنفيذ السياسات التي فشلت الحكومات السابقة في تطبيقها؛ وتحديداً حكومات الحريري والسنيورة، خصوصاً أن العدوان الأميركي على لبنان مستمر، على شكل تهديدات وعقوبات إقتصادية وحماية للمافيات التي أفقرت البلد وسرقت أموال الناس وهربت ثرواتها إلى الخارج، بما هيأ ألأرضية المناسبة لشن حملة العقوبات الأميركية، التي لا تخفي هدفها بافقار اللبنانيين وتجويعهم، لإجبارهم على الإنضمام لطابور الحكام العرب المنبطحين أمام الغزوة الصهيونية، تحت مسمى "الشرق الأوسط الجديد" حيناً و"صفقة العصر" حيناً آخر؛ و"التفاهم الإبراهيمي" حيناً ثالثاً. وكذلك الخضوع للشروط الأميركية، التي تشكل ترجمة للمطالب والأطماع "الإسرائيلية" في الأرض والثروات اللبنانية، مياهاَ وغازاً ونفطاً واستضعافاً يجري تظهيره بنزع سلاح المقاومة، التي حررت الأرض وطردت الإحتلال وتتولى ردعه عن تنفيذ أطماعه.
وبغض النظر عن تمكن عبد الواحد من تشكيل حكومة، أو فشله في مهمته، فإن الإنقسام الحاصل في لبنان، في ظل الصراع الإقليمي والدولي المحتدم في المنطقة، يجعل من أي حكومة مقبلة هي حكومة مواجهة، طالما انها فئوية ولا تعبر عن وحدة وطنية، أو حتى عن أكثرية نيابية، لأن الإستهداف الموجه نحو لبنان من الولايات المتحدة الأميركية والعدو "الإسرائيلي" ومعهما المملكة السعودية، مستمر ومتصاعد ويهدف إلى حسم الصراع الدائر في المنطقة لصالح الكيان "الإسرائيلي"؛ وعلى حساب شعب فلسطين وقضيته وأرضه وحقه في العودة وتقرير المصير. ودور حكومة عبد الواحد إذا رأت النور، تحت سقف الضغوط والهيمنة الأميركية، هو تنفيذ كل ما ورد، حتى لو دفعت أوضاع لبنان إلى شفير حرب أهلية، تكون وسيلة لإرباك المقاومة وإضعافها، تمهيداً لحصول عدوان "إسرائيلي" يخطط العدو له منذ هزيمته في عدوان تموز 2006.
لذلك، ستكون كل حكومة معينة بأوامر الخارج وتأتمر بأوامره، هي حكومة مواجهة في الداخل اللبناني. ومثلها كل حكومة تعمل على تلبية مطالب الأميركي ومطامع "الإسرائيلي" وتسلط السعودي، أو تستمر في سياسة الإستدانة من الخارج، لأن الإستدانة كانت وسيلة الحكومات الحريرية لتأهيل لبنان للخضوع لضغوط الإدارة الأميركية وعقوباتها. وكذلك، هي حكومة مواجهة، كل حكومة تقبل بتنفيذ برنامج سعد الحريري لبيع أملاك ومؤسسات الدولة لتمويل خزينتها الفارغة، عوضاً عن إستعادة الأموال المنهوبة وإقفال كل أبواب الهدر والسرقات، مثل التهرب الضريبي وتحرير بدلات إشغال الأملاك العامة ومداخيل الجمارك وغير ذلك، لأن ذلك يعني الإستمرار في نهب اللبنانيين وتجويعهم وتهجيرهم في بلاد الإغتراب، بحثا عما لم يؤمنه لهم وطنهم من عيش كريم وحياة آمنة.
كما أن كل حكومة تشكل جسراً لمصالحة سعد الحريري مع أولياء أمره في السعودية، هي حكومة إشكالات وتنازع. وكذلك إذا كانت وسيلة هؤلاء لمغازلة المنبطحين أمام الغزاة الصهاينة، تحت شعار "التطبيع"، لأن دور الحكومة الحقيقي للدفاع عن لبنان، هو في ادانتها التطبيع والمنبطحين. وكذلك في موازنتها لسياستها وعلاقاتها مع أميركا والغرب، مقابل علاقاتها مع دول الشرق وفي مقدمها روسيا والصين وإيران. والأهم من كل ذلك، إن حكومة لا تضع في رأس أهدافها حماية اللبنانيين من مافيات أصحاب المصارف وكبار التجار والمحتكرين، لن تصنف إلا حكومة تعمل في خدمة قوى الهيمنة الدولية، وتخضع للانتداب الجديد، الذي لا يخفي سعيه لنشر قوى وقواعد عسكرية له في لبنان، تشبه تلك التي ينشرها الأميركي في سفارته في عوكر وفي مطار حامات وأمكنة كثيرة، تحت ستار تدريب الجيش أو تنفيذ مشروعات مشتركة. فالهجمة الأميركية-"الإسرائيلية"- السعودية المنسقة، لم تعد تترك مجالاً لأنصاف الحلول، فأما أن لبنان مقاوم وأما هو خاضع للإحتلالين الأميركي والفرنسي، في تكرار لتجربة القوات المتعددة الجنسية، التي احتلت لبنان في أوائل ثمانينيات القرن الماضي وعاثت فيه تسلطاً، إلى أن جاء من دمر مراكزها على من فيها، فولت هاربة. وهي ستهرب مجددا إذا أعادت الكرة.