أقلام الثبات
يتحول الصراع في شرق البحر المتوسط من صراع ظاهره كباش بين تركيا واليونان، إلى صراع بين تركيا وأنظمة دول الخليج، لكنه في الواقع صراع اكبر بكثير من ذلك، اطرافه خلف البحار وامتداده الى اقاصي اسيا وشرق اوروبا ، وتقوم "إسرائيل" بلعب دور خطير وحساس من خلال سعيها لأن تكون مركزا لنقل الطاقة في المنطقة.
ومن دون أي شك، فان التوجهات السياسية ، لا بل العقائدية المتناقضة بين تركيا وأنظمة الخليج الغنية تبلورت اكثر ، رغم باطنية الطرفين مع تفاقم خريف الفوضى في الدول التي عصفت فيها الاحداث والحروب في سياق ما اطلق عليه مجازا " الربيع العربي"، وهو الصراع الذي قدم ل"إسرائيل" خدمة كبرى، سيما عندما اتضح الصراع بين الوهابيين والاخوان المسلمين ، الذين انضووا بداية تحت الرايات الغربية ،ولا سيما الاميركية، وتصادموا عند الحصاد ، الامر الذي ساعد على تقوية علاقات تل أبيب مع أوروبا من جهة، و"اسرائيل" ودول عربية بينها المجاورة وتلك المتموضعة على شطآن الخليج من جهة ثانية.
وعليه ، اذا نجح تطبيع العلاقات بين تل أبيب والإمارات والبحرين مع امتدادات خليجية يمكن أن يكمل تشكيل تحالف مناهض لتركيا من شأنه أن يحدد طبيعة الحياة السياسية في المنطقة في العقود المقبلة برعاية الولايات المتحدة التي مهدت ل"اسرائيل" وبذلت اقصى جهودها للتسريع في توقيع الاتفاقات ،والتطبيع مع انظمة الدمى الأميركية في الخليج ، وضم اسرائيل للحلف المناهض لتركيا ، والذي يضم فرنسا واليونان وقبرص ومصر والإمارات. بحيث يلعب هذا الحلف دوراً أمنيا في المنطقة، والعمل على توسيع وتقوية الروابط السياسية والاقتصادية بين الدول المكونة لهذا الحلف .في الوقت الذي تعمل فيه "إسرائيل" واليونان وقبرص، على خط أنابيب الغاز EastMed الذي سيربط المستهلكين الأوروبيين بحقول الغاز في شرق البحر المتوسط. فيعمل الحلف الخبيث على إعادة فتح خط أنابيب نفط إيلات-عسقلان، الذي سيساهم في تحقيق أمن الطاقة للمشترين الأوروبيين والمصالح الاستراتيجية ل"إسرائيل". وسيؤدي نقل نفط الخليج عبره إلى أوروبا إلى إضعاف قدرة تركيا لأن تصبح مركزا للطاقة.وبالتالي ضرب خط السيل التركي - الروسي الامر الذي سيزيد من التوترات في شرق البحر المتوسط.
من هنا يفهم، الضغط الاميركي على لبنان في مسألة ترسيم الحدود البحرية اولا ، وليس بالتوازي مع الحدود البرية ، رغم "السلبطة" الاسرائيلية الواضحة المدعومة اميركيا للاستيلاء على نقاط بحرية لبنانية ، لا تقتصر على الخلاف بشأن "بلوك 9"لسرقة الحق اللبناني من الغاز ، وربما من هنا يفهم لماذا اوقفت "توتال" التنقيب بسرعة واعلانها التسريبي انه لا يوجد ما يكفي للبحث عنه،في ذروة التموضعات للافرقاء السياسيين في لبنان بعد اللقاء الاخير بين الموفد الاميركي ديفيد شنكر "الاسرائيلي" الهوى والصهيوني الانتماء ، والرئيس نبيه بري الذي رفض الخضوع للاملاء الاميركي، الذي قال "ان لبنان لن يرتاح" ما لم تقبلوا الاملاء الاميركي الظالم .
منذ ذاك الوقت تصاعد الضغط على لبنان ليكون احد بيادق اللعبة الاميركية في خدمة ايلات - عسقلان، الذي يعمل على ادخال السلطة الفلسطينية ضمن حلفه ، بينما أفرقاء لبنانيون أخذوا على عاتقهم التحريض على كل من يتصدى للمشروع -الاميركي المضمون - الاسرائيلي الحصاد-، وعلى هذه القاعدة تصاعدت الحملة على سلاح المقاومة القادر على منع اسرائيل من السطو على الابار البحرية اللبنانية، مع تصاعد الضغط من خلال تحميل السلاح المقاوم للعدو مسؤولية الانهيار الاقتصادي ، وهو الانهيار الناتج عن اهتراء النظام السياسي - الاقتصادي - المالي الذي حكم لبنان منذ ميثاق 1943 الى حرب 1958 الى اتفاق الطائف ، فالدوحة وما تلا حتى اليوم .
لقد تموضعت فرق لبنانية ضمن المشروع الاميركي - "الاسرائيلي"، ويحدوها الامل في الانخراط بالحلف الناشئ في مواجهة محور المقاومة بعد توقيع اتفاق الاذعان والذل مع "الاسرائيلي" ، وقد عبر احد رموز الفتنة والعداء للمقاومة في لبنان عن ذلك بالقول : "ان بشير الجميل كان السباق في الدعوة لاقامة تحالف مع اسرائيل ، ولو بقي لكنا نقطف الان ثمار الاتفاق ، وسبقتنا دول الخليج على التوقيع والتطبيع ، ولكنا اليوم نعيش في الرغد الاقتصادي". مع التجاهل التام لما حل من كوارث اقتصادية بمصر والاردن والسلطة الفلسطينية جراء توقيع اتفاقات مع "اسرائيل".
هنا بيت القصيد ،والمهم تنفيذ ما تريده اميركا ، ومن هنا يريدون الاستيلاء على السلطة للسير في المشروع، وكأنه بتشكيل حكومة عاقر يمكن ان تعقد لهم الخناصر ، والا كيف يمكن ان يطالب اي عاقل بالتخلي عن أقوى ورقة توازن قوة في يد لبنان ، والتماهي الى اقصى الحدود مع المشروع الاميركي - "الاسرائيلي" ،بتسليم السلاح ، من اجل استرضاء تل ابيب عبر اللهاث وراء واشنطن ، التي نظمت الاتفاقات لصالح "اسرائيل" أولا ، وهذه الاخيرة تسعى لمد نفوذها اكثر في منطقة البحر الأحمرعبر الاعتماد على تطبيع مستقبلي للعلاقات مع السودان وعلى العلاقات مع إثيوبيا التي ثمنت عاليا اتفاق التطبيع الخليجي ـ "الإسرائيلي".