أقلام الثبات
تراجع التفاؤل في لبنان بأن تسير الحكومة اللبنانية والخطة الفرنسية كما كان مرسوماً لها، أي وفق أجندة سياسية واضحة وضمن مهلة زمنية معقولة، بعدما وضع رؤساء الحكومة السابقون الألغام في وجه مصطفى أديب، حتى بات من الأسهل له أن يعتذر على أن يسير في طريق معبّد بالألغام من اللحظة الأولى.
ويقف لبنان اليوم متفرجًا على خطاب طائفي متشنج، زاده البطريرك الراعي حدّة بعدما ألقى عظة سياسية صبّت الزيت على النار، ودفعت المراجع الدينية الشيعية الى الردّ، محوّلاً الموضوع الى اشتباك طائفي اسلامي ـ مسيحي، بينما هو في الاصل مشكلة سياسية اسلامية ـ اسلامية.
وأمام هذه العقد المفتعلة، يبدو أن المبادرة الفرنسية تترنح من دون أن تسقط، لكن الأكيد أن الفرنسيين قد أخطأوا في مقاربتهم وطريقة تعاملهم، وذلك على الشكل الآتي:
- أخطأ الفرنسيون عندما تركوا أديب فريسة سهلة في يد نادي ما يسمى رؤساء الحكومات السابقين، وتركوا مهمة التأليف الى هؤلاء الذين مارسوا الكيدية السياسية والاقصاء للمكوّنات اللبنانية الأخرى والكتل النيابية التي سمّت أديب أيضاً.
كان على الفرنسيين التأكيد على أديب ضرورة التشاور مع الكتل النيابية التي سمّته وبالأخص مع رئيس الجمهورية الذي ينصّ الدستور على اشتراكه مع الرئيس المكّلف في تأليف الحكومة. ما قام به الفرنسيون، من ترك الأمر بيد السنيورة والحريري والميقاتي وسلام، أوحى وكأن المبادرة الفرنسية وصفة لإقصاء الغالبية النيابية من السلطة، تحت ضغط التهديد بالعقوبات والانهيار الاقتصادي، وأتت لتحقق ما عجز عنه الانقلاب في الشارع والضغوط الأميركية القصوى على لبنان.
- أخطأ الفرنسيون، حين لم يقرأوا في التاريخ اللبناني الحديث، عن مسيرة فؤاد السنيورة في الحكم، حين أقصى طائفة بأكملها وتستّر بعباءة المفتي، وأعطى وعوداً بنزع سلاح حزب الله الى كوندوليزا رايس، وتآمر على المقاومة خلال الحرب "الاسرائيلية" على لبنان عام 2006، وتسبب باحتقان مذهبي أدى الى حوادث السابع من أيار 2008. وأخطأوا حين سلموا أمرهم للميقاتي الذي سكت على الصراع المذهبي في عرسال وغطاه، وغطى بعباءته التكفيريين في طرابلس.
- أخطأ الفرنسيون حين اعتقدوا بقدرة سعد الحريري على إنضاج الحل السياسي، وهو الغارق في مشاكل داخل بيته، تطورت الى إطلاق نار ومقتل شاب في الطريق الجديدة منذ أسبوعين، وهو الغارق في صراع مذهبي يتصاعد بين الفينة والأخرى اشتباكات على خطوط التماس بين السنّة والشيعة في العاصمة، وهو المنقلب على شركائه في السلطة بعد 17 تشرين، والذي اعتكف "حرداً" فأدخل البلاد في مجهول أمني كاد يتسبب بحرب أهلية لولا ضبط النفس الذي مارسه الثنائي الشيعي مراراً، خصوصاً بعد قطع طريق الجنوب مراراً من قبل المحتجين.
- أخطأ الفرنسيون حين اعتقدوا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومعه السعودية، سيدركون خطورة انفلات الساحة اللبنانية وتركها للفراغ، وخطورة التغلغل التركي في الشمال اللبناني على المصالح الاوروبية والغربية في المنطقة. الأول، أي ترامب، لا يبدو معنياً سوى بانتخاباته، وهو بالأساس لا يكترث كثيراً إن أدّت عقوباته وضغوطه القصوى الى إدخال المنطقة في الفوضى، فهو يرغب الرحيل منها بكل الأحوال. أما السعودية، فيبدو أنها - ومنذ استلام ولي العهد الجديد - تمارس سياسة صفرية، وغير معنية بتدوير الزوايا للربح على المدى الطويل، بدليل حرب اليمن، وحرب النفط مع بوتين، والحرد في لبنان وسواها.