الثبات – إسلاميات
قصص الصالحين
الواقدي رحمه الله وعجائب الإيثار
يروى عن الواقدي رحمه الله أنَّه قصَّ تلك الحادثة: كان لي صديقان أحدهما هاشمي والآخر عامي وكنا كنفس واحدة، فنالتني ضيقة شديدة وحضر العيد فقالت لي امرأتي: أمَّا نحن في أنفسنا فنصبر على البؤس والشدة، وأمَّا صبياننا هؤلاء قد قطعوا قلبي رحمة لهم، لأنَّهم يرون صبيان جيراننا وقد تزينوا في عيدهم وهم على هذه الهيئة، فكتبت إلى صديقي الهاشمي أسأله التوسعة عليّ مما حضر، فوجّه إليّ كيساً مختوماً ذكر أنَّ فيه ألف درهم، فما استقر قراره حتى كتب إليّ الصديق الآخر يشكو مثل ما شكوت إلى صاحبي، فوجهت إليه بالكيس على حاله وخرجت إلى المسجد فأقمت ليلتي مستحيياً من امرأتي، فلما دخلت عليها استحسنت ذلك ولم تعنفني عليه، فبينا أنا كذلك إذ وافى صديقي الهاشمي ومعه الكيس على هيئته وقال: أصدقني القول عما فعلته بالكيس، فعرفته الخبر على حقيقته فقال: إنَّك طلبت مني وما أملك على الأرض إلا ما بعثت به إليك، وكتبت إلى صديقنا أسأله المواساة فوجّه إلي بكيسي هذا وخاتمي عليه.
قال: فأخرجت للمرأة مائة درهم وتقاسمنا الباقي بيننا أثلاثاً.
ونمى الخبر إلى أمير المؤمنين "المأمون" فدعاني وسألني عنه فشرحته له ما وقع بيننا، فأمر لنا بسبعة آلاف دينار منها ألف للمرأة وألفان لكلِّ واحد منا.
والإيثار هو تقديم الغير على النفس، وأسمى مراتب الإيثار أن يقدم الإنسان لغيره ما يكون هو محتاجاً إليه، وبذلك امتدح الله تعالى الصحابة رضي الله عنهم حيث قال: "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"، رضي الله عن الصالحين.