أقلام الثبات
كم ترتكب من المفاسد تحت دعوة إقامة الدولة، أو دعمها، أو شعار الخروج إلى الدولة. وما يقوم به نادي رؤساء الحكومات السابقين المؤلف من الثلاثي سعد الحريري وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي، هو عين هذه المفاسد التي تهدد مصير البلد ومستقبله؛ ولو أن أحد الثلاثة يسمي حزبه: "المستقبل".
وللدخول في صلب الموضوع، يجدر سؤال الحريري، باعتباره نائباً عن بيروت، هل يستطيع الدعوة إلى جعل منصب محافظ مدينة بيروت مداورة بين أبناء الطوائف اللبنانية. بل هل يجروء على جعل منصب رئيس بلدية بيروت مداورة بين أبناء الطوائف الممثلة في المجلس البلدي؟
وهل يتذكر مستشاروه الحملة الشعواء التي شنها بعض نواب بيروت، ومعهم قسم كبير من أعضاء مجلسها البلدي، لنقل صلاحيات المحافظ التنفيذية إلى البلدية، التي تقتصر صلاحياتها على التشريع، إستثناء عن باقي بلديات لبنان، فذهب هباء كل صراخهم وضجيجهم بحق المحافظ، الذي كان في ذلك الوقت معارضاً للحريرية السياسية؟
أكثر من ذلك، هل بامكان بلدية بيروت المحسوبة على تيار المستقبل وحلفائه، فتح ملفات ميدان سباق بيروت منذ أن تسلمت إدارته إحدى الجمعيات، أم أن الأمر ممنوع، لأن الميدان بمداخيله، عندما كان يدر ذهباً، في زمن مضى، هو من بين الدجاجات التي تبيض ذهباً، الموزعة حصصاً على النافذين في الطوائف النافذة؟ وهل أخبره من هو أعلم منه، أن بلدية بيروت، في زمن سابق، أقدمت في جلسة رسمية على توزيع بعض أملاكها على الطوائف؟
وهل أن منطق بناء الدولة ومحاربة الفساد فيها، أن يستولي الحريري الأب وورثته على أملاك أهل بيروت، خصوصاً واجهة بيروت. ويطوبونها ملكا لهم تحت مسمى شركة "سوليدير"، التي يقدر البعض قيمتها بأكثر من 35 مليار دولار.
وهل أن إدعاء إصلاح الدولة، هو الذي يحمي فؤاد السنيورة من المحاسبة، لمعرفة مصير أحد عشر مليار دولار، لم تعرف جهة صرفها، أو هل صرفت في مكانها القانوني، أم صرفت لغايات مختلفة، أم أنها اختلست، عندما كان رئيساً للحكومة. ولم يتح للقضاء حتى الساعة أن يبرئ الرجل أو يدينه.
أم أن المنطق ذاته، سمح لنجيب ميقاتي بأن يستولي على مئات ملايين الدولارات، كانت مخصصة لتكون قروض إسكان لمحدودي الدخل، من الشباب الساعي لتكوين عائلة، ليتملكوا بها بيوتاً لعائلاتهم، فإذ بالقروض تحول لصالح ميقاتي والمقربين منه، اشتروا فيها شققاً باهظة الأثمان وحققوا فيها أرباحاً طائلة. ولم تتم محاسبته لأن الطوائف اللبنانية تتسلط على الدولة. وهي باتت مافيات تحمي سارقي الدولة والشعب!
ليس جديداً هذا التجاذب الدائر حالياً في لبنان، حول المناصب والمقاعد الوزارية، في ظل نظام المحاصصة الطائفي، الذي أنشأته فرنسا ليكون حارساً ،بحكم المصلحة، لكيان أنشاته وهو أحد إفرازات مشاريع التدخل الغربية في المنطقة العربية. لكن الجديد هو الإصرار على افتعال مشكلة كبرى في البلد ودفعه نحو المجهول. وإذا كانت مشاريع نهب لبنان وجره للدخول إلى أفخاخ "السلام" الكاذب مع العدو "الإسرائيلي"، اقتضت في مرحلة سابقة إغراقه في وحول الديون، تحت وعد بأن القبول بهذا المنحى سيقابله إيفاء الديون من قبل بعض دويلات الخليج النفطية، المتورطة منذ عقود في هذا الخيانات، فإن المرحلة الحالية تشهد تجاذباً جديداً لجر لبنان إلى المستنقع الآسن الذي دخلت فيه دويلتا الإمارات والبحرين، تحت كذبة "الاتفاق الإبراهيمي"، الذي هو في جوهره اعتراف من جهة واحدة لصالح الديانة اليهودية وتبرير لوجود الكيان الصهيوني، مقدمة لتنضم إليه المملكة السعودية، راعية العلاقات العربية- الصهيونية، منذ أن وافق مؤسسها عبد العزيز بخط يده على إعطاء فلسطين لمن أسماهم "اليهود المساكين".
واللافت أن الحريري الذي عانى من "فيتو" سعودي على تبوء موقع رئاسة الحكومة في لبنان. وهو الحامل للجنسية السعودية. يحاول حالياً إرضاء المملكة، بتنفيذ ما سبق أن عاقبته على فشله في تحقيقه، عندما اعتقل في الرياض وضرب وأهين وسجن، لأنه لم يتمكن من إشعال فتنة طائفية بين المسلمين في لبنان. وهو يعود هذه الأيام إلى خطته التي أعلنها عقب إسقاط حكومته تحت ضغط غضب اللبنانيين من فسادها. وخصوصاً فساد الوزراء المحسوبين عليه، لكن عودته تتم عبر واجهة هي مصطفى أديب عبد الواحد، تحت غطاء مبادرة فرنسية. وجوهر تلك الخطة أن يتحول الحريري من متهم إلى منقذ. وأن يترأس ممثله حكومة مستشارين يكون فيها السياسي الوحيد، متمثلا بحكم أمراء آل سعود. ثم يخضع لبنان الذي ينوء تحت نير الإفلاس والديون، لمطالب صندوق النقد الدولي وهي في حقيقتها أميركية –"إسرائيلية"، تضع نصب أعينها جملة مطالب، تبدأ بنزع سلاح المقاومة وبتنازل لبنان عن أراض متنازع عليها، في ما يعرف بالخط الأزرق، لصالح أمن جيش الإحتلال، لتصل إلى سلب لبنان قسماً من مياهه الإقليمية بما يتيح للعدو "الإسرائيلي" الإستيلاء على ما تحويه من غاز، منع لبنان من استكشافه واستخراجه، ما لم يوافق على هذا المطلب. اضافة إلى مواصلة سياسة الإستدانة المدمرة وفرض ضرائب جديدة على اللبنانيين وخصخصة وبيع أملاك الدولة، من دون أي ضمانة بأنها لن تتعرض للسرقة مثلما حدث طوال العقود الثلاثة الماضية، أو أن لا يقوم السارقون أنفسهم بشرائها بأموال الشعب والخزينة التي سرقوها، طالما أن الحكام هم السراق.
فهل سيبقى لبنان رهينة تجار الطائفية وأرباب الفساد، الذين تراهم حيناً ضباعاً تتناتش الحصص والمكاسب، عندما يتطلب الأمر شد العصب الطائفي وجذب تأييد الأتباع. وحيناً آخر حلفاء وأحباباً عندما تتطلب ذلك مصلحة النظام وبقائه. أو سيقيض له أن يتقدم إلى رحاب دولة حديثة تسقط الطائفية وحراسها وتعتمد العدالة والكفاءة والمواطنة، قانوناً يحكم بين اللبنانيين.