أقلام الثبات
أطلق الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" مبادرة لتأسيس "عقد سياسي" للبنان وذلك بمناسبة الذكرى المئوية الأولى ، لولادة "لبنان الكبير" على أيدي "القابلة" الفرنسية محدّداً العناوين والمواصفات الرئيسة للنسخة الثانية من لبنان حسب المواصفات الفرنسية ووفق منظومة الانقلاب الناعم، وقد استغرب "ماكرون" انصياع القوى السياسية اللبنانية والقبول المذهل لمبادرته والزحف نحوه وتقديم الأوراق لجنابه المعظّم من الزعماء السياسيين دون مبرر أو توضيح صفته ودوره .
أعطى الرئيس الفرنسي مهلة أسبوعين لتنفيذ ما أمر به واعتقد البعض أنهم يستطيعون إلغاء الواقع وحجب الحقائق وإلغاء الأوزان والوجود لبعض القوى السياسية وصولا لإلغاء طائفة أساسية في لبنان والتعامل معها كطائفة مهزومة أو منبوذة أو لاجئة إلى لبنان وإعادة تأسيس الكيان اللبناني وفق ميثاق 1943 وإخراج "الطائفة الشيعية" من الشراكة السياسية وفي الحكم بعدما استطاعوا إخراج بعض الأحزاب والشخصيات الوطنية والإسلامية من التمثيل النيابي والحكومي وحتى الإداري وهي التي قاومت في الحرب الأهلية وكذلك شاركت في المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي وشاركت في تحرير الجنوب بينما عادت القوى والشخصيات التي تعاملت مع العدو الإسرائيلي إلى الحكم بل وصلت الوقاحة ببعضها لإطلاق صفات الوطنية أو سلبها عن المقاومين الوطنيين!
إن العقد السياسي الذي تم الحديث والتداول به لم تُعرف عناوينه أو تفاصيله أو مرتكزاته ،بل خضع لمنظومة التخمين والتنبؤات بين طرح "المثالثة" (مسيحيين- سنة- شيعة) وبين العقد السياسي الذي يرتكز على منظومة الدولة المدنية خارج التوزيع الطائفي أو المذهبي أو صيغة ثالثة أو رابعة لم تكتب بعد وتنتظر الحوار حولها لإبتداع وصناعة صيغة جديدة تستطيع احتواء هواجس الجميع وخصوصاً الأخوة المسيحيين على الصعيد الداخلي وهواجس اللبنانيين جميعاً بالنسبة لرفض توطين الأخوة الفلسطينيين او دمج الأخوة من النازحين السوريين!.
لكن اللافت الذي يثير الاستغراب مسارعة نادي رؤساء الوزراء المتقاعدين إلى محاولة تأسيس عقد سياسي جديد ساذج وانفعالي يرتكز على إلغاء الطائفة الشيعية وشطبها بمرسوم تأليف الحكومة وإخراجها من الحكم بحركة صبيانية بهلوانية بعيدة عن التعقل والوطنية وإمكانية التنفيذ .. بعدما شعروا بالإستقواء بالخارج الموهوم كما استقوى غيرهم من القوى المسيحية بالعدو الإسرائيلي عام 1982 واجتاح لبنان وفرض رئيساً للجمهورية، كانت نهايته معروفة ويبدو أن نادي رؤساء الحكومة المتقاعدين قد أثّرت عليه الشيخوخة السياسية وأصيب "بالزهايمر" السياسي وحاول الاستقواء بالاستعمار الفرنسي بنسخته الجديدة لإقصاء أهل الشرف والدفاع عن السلطة بعدما حرّروا الأرض وحموها من الصهاينة والتكفيريين!.
إن غدر بعض الضعفاء وناكري الجميل وطعن من حماهم واسترضاهم ونصرهم في لحظة رهانات واهية وخاسرة والقراءة الخاطئة والعمياء للواقع والعمل وفق فرضيات الموت السريري لقوى المقاومة في لبنان عبر مناورة المداورة في الوزارات لإخراج طائفة وأحزاب أساسية ومؤثرة ووازنة من الحكومة وفق معادلة "جس النبض" للخطوة التالية في تأسيس العقد السياسي الجديد وإخراج هذه الشريحة ومن تمثل في طائفتها وبقية الطوائف وإعادة لبنان إلى زمن الاجتياح الإسرائيلي والمتعددة الجنسيات أو الاستعمار الجديد..تعتبر محاولة فاشلة وخاسرة لأنها كشفت النوايا والنفوس المريضة والمتآمرة وأضاءت على موضوع عدم الثقة بها ولزوم وواجب الاحتفاظ بمنظومة القوة الرادعة بالإضافة لحماية الحلفاء في الطوائف والمطالبة بوجوب أن تتمثل الأحزاب اليسارية والوطنية والقومية من الشيوعيين والناصريين والبعثيين والقوميين والقوى والشخصيات الإسلامية الوطنية وغيرهم في الحكومة وفق منظومة أهل الاختصاص أو تمثيل الطوائف .
إن العقد السياسي الجديد لا يمكن اأن يكتبه عملاء إسرائيل أو عملاء الاستعمار الجديد أو اتباع أمراء الخليج وملوكهم المطبّعين مع العدو الإسرائيلي، بل يكتبه أهل الشرف والدفاع والصبر ومقاومة الغزاة المتعددي الجنسيات ولا بد من إعادة إحياء تحالف القوى المقاومة ضمن جبهة وطنية واسعة للتصدي للمؤامرات الخارجية والعمالة والغدر الداخلي ..