أقلام الثبات
هل يتجه لبنان بالفعل نحو حرب أهلية، كما لمح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وكما يهدد الأميركيون تسريباً، ما لم تنفذ مطالبهم "الإسرائيلية" في ترسيم الحدود وفي المياه البحرية والغاز المستكشف وفي نزع سلاح المقاومة؟
كل الدلائل الميدانية، تؤكد أن الساعي للفتنة والحرب الأهلية ما يزال عاجزاً عنها. وأن الطرف القادر عليها لا يريدها، لكن ما الذي غير من المعطيات حتى يصبح التخويف من "راجح" الفتنة على السنة أرفع المقامات الدولية، بالترافق مع حملة الضغط العالية المستوى وحرب التجويع والإفقار، التي تشنها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على لبنان، بما جعل التدخل الفوقي والإملائي الفرنسي، الذي أعاد ذكريات الإستعمار الفرنسي ومندوبه السامي، أشبه بعملية إنقاذ للبنان يتسارع كثيرون للخضوع لها طوعاً ورغبة، حتى أن البعض هتف بكل خسة "عودوا واستعمرونا"! في حين أن الصراع على غاز شرقي البحر المتوسط، بين تركيا من جهة وبين شركائها في حلف الأطلسي، من جهة ثانية، هو سبب أساسي للتحرك الفرنسي.
بداية وحسب أوساط متابعة، فان سلسلة أحداث جرت خلال شهر واحد، في أكثر من منطقة لبنانية، سرعت المخاوف من سعي قوى دولية وإقليمية، إلى إشعال نار صراعات داخلية دموية في لبنان، تكون سبباً لفرض نوع من الوصاية المكشوفة عليه، لتنفيذ ما عجزت الضغوط والحروب السابقة، التي شنت على لبنان، في تحقيقه.
من إنفجار مرفأ بيروت، الذي يعتبره كثيرون "إنفجاراً نووياً"، لآنه يعد من بين الإنفجارات المعدودة في التاريخ، من حيث القوة والتدمير. وشبهه البعض بما حدث لمدينة هيروشيما اليابانية، التي استهدفها الأميركيون بقنبلة نووية. حتى أن البعض إعتبر أن هذا الإنفجار كان بديلا عن حرب كانت ستقع وتستهدف لبنان.
ثم جاءت حادثة كفتون في الكورة، التي كشفت عن تحرك مجموعات وخلايا نائمة سلفية، بهدف التخريب وتنفيذ إغتيالات، إلى حادثة خلدة وما رافقها من تحريض طائفي ومذهبي منسق، إلى سلسلة حوادث أخرى في الشمال، إلى إشتباك "الأخوة الحريري" في الطريق الجديدة، الخارج عن السياقات المعروفة. كل ذلك أظهر تحرك قوى ومجموعات مدعومة من تركيا في صراعها مع المملكة السعودية، على زعامة ساحة مذهبية معينة، لكن على قاعدة الصدام مع ساحة أخرى؛ وتحديداً بيئة المقاومة، بما يخدم الأهداف والمطالب الأميركية و"الإسرائيلية"، مما دفع بعض المراقبين إلى التذكير بأن الخارج الساعي إلى تفجير الساحة اللبنانية، لا يهمه من يكون المنتصر فيها والمنهزم، بل المطلوب تخريب الأرض التي تتحرك عليها المقاومة وإرباكها وإضعافها، بما يشجع العدو "الإسرائيلي" على شن عدوان يتحين الفرص لتنفيذه، منذ هزيمته أمام صمود المقاومة صيف العام 2006. على غرار عدوان 1982، الذي جاء إثر حرب أهلية قلبت الأمور رأسا على عقب في لبنان.
يصرّ الأميركيون على جملة مطالب من لبنان، بات القاصي والداني يعرفها. وتصب في سياق الحاق لبنان بصفقة القرن، التي تلبي كل مطالب المحتلين الصهاينة على مستوى المنطقة ككل. ويضغطون على اللبنانيين بالسياسة وبالعقوبات الإقتصادية، لدفعهم لأن يكونوا أدواتاً للأميركي و"الإسرائيلي" في حربهم ضد المقاومة وضد سلاحها، الذي تردع فيه العدوانية "الإسرائيلية". وأكبر أكذوبة يقولها الأميركي ومن ثم الفرنسي، هي دعوتهما لإصلاح النظام الفاسد في لبنان. فالفاسدون في السلطة اللبنانية هم بشكل أو بآخر حلفاء وأصدقاء للأميركيين. وهم نتاج للنظام الذي أسسته فرنسا، على قاعدة تجعله عصياً على التغيير والتبديل، من خلال تركيبة طائفية زبائنية. ونظام محاصصة يرتكز على تحالف زعامات الطوائف مع اصحاب المصارف. وبالتالي، فإن أي كلام عن إصلاح أو محاربة للفساد، هو كذب صريح ما لم يبدأ بالغاء الطائفية وتبديل النظام الطائفي بدولة مدنية، تقدم المواطنة والكفاءة على ما عداهما.
إذا إلى ما يرمي المهددون بالفتنة والمحذرون منها؟
يريد هؤلاء وحسب أكثر من جهة سياسية متابعة، تكرار تجربة إحراق لبنان كما فعلوا عام 1975، للتغطية على فعل الخيانة الذي إرتكبه أنور السادات، بزيارته القدس المحتلة وعقده إتفاقية كمب ديفيد مع العدو "الإسرائيلي". وهذه الأيام بادرت دويلة الإمارات الخليجية إلى اقامة علاقات مع الكيان الصهيوني، لتفتح الطريق أمام الخطوة الأكبر؛ وهي إقامة علاقات بين النظام السعودي الذي يحتل نجد والحجاز؛ وبين العدو "الإسرائيلي". وفي سبيل ذلك مطلوب إشغال لبنان والمقاومة والعرب عن هذه الخطوات، بإشعال الساحة اللبنانية وإشغالها، فهل يدرك الفاسدون في مقاعد السلطة والحكم في بيروت، أن الوقت قد حان ليضحوا ببعض مصالحهم ويوقفوا فسادهم ويعيدوا أموال اللبنانيين، فتتماسك ساحة الوطن ويفشل المخطط الأميركي-"الإسرائيلي"-السعودي لإحراق لبنان، تغطية على إشهار التحالف السعودي-"الإسرائيلي" القديم، أم تكشف الأيام أن فسادهم هو جزء من المخطط لإضعاف الجوار المحيط بفلسطين المحتلة، خدمة لمشروع الغزو والإحتلال الصهيوني؟