أقلام الثبات
لاريب أن كل الأنشطة السياسية والدبلوماسية والعسكرية الدولية والإقليمية التي يشهدها لبنان والمنطقة بأسرها، مرتبطةً بمعلوماتٍ شبه مؤكدةٍ، عن إمكان حدوث إنسحاب كامل للاحتلال الأميركي من سورية، وتنظيم إعادة إنتشار جنوده في العراق، في ضوء ما يحدث من مبادرات، ومساعٍ دوليةٍ، وبخاصةٍ أوروبيةٍ، بين محوري المقاومة، والولايات المتحدة، علّها تثمر في نهاية المطاف، بالتوصل الى تسويةٍ سياسيةٍ شاملةٍ، لإنهاء الصراع في هذه المنطقة، وتترافق هذه المساعي، مع خروج تسريباتٍ تتحدث عن أن "هذه المساعي بلغت مراحل متقدمة"، نقلاً عن مرجع في العلاقات الدولية. وسط هذه الأجواء، تكثفت الأنشطة المذكورة آنفاً، ففي الشأن اللبناني، دخلت فرنسا على خط الأزمة، بعدما فقدت مختلف التيارات والقوى اللبنانيين زمام المبادرة، أثر التدهور والإقتصادي والمالي غير المسبوق، الذي يشهده لبنان في المرحلة الراهنة، فما كان أمامهم من سبيلٍ، إلا التعاطي بإيجابية مع الجهود، التي بذلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدى مختلف الأطراف اللبنانيين، التي أدت بدورها، الى التوصل، على تفاهمٍ في شأن تسمية رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب، بتزكيةٍ أوروبيةٍ – فرنسيةٍ، وقبول دوليٍ، و"قبة باط"، أميركية، و"ضوء أخضر" إيراني، على حد تعبير المرجع، وسط الأجواء التفاوضية المذكورة آنفاً، خصوصاً بين فرنسا وإيران، والتي فد تؤدي، الى تفعيل الإتفاق النووي الإيراني، وعودة إنضام واشنطن الى هذا الإتفاق، ودائماً وفقاً لمعلومات المرجع. وفي ضوء هذه المعطيات الواردة آنفاً، من البديهي، ألا مصلحة سياسية، لأي من الأطراف الداخليين، عرقلة الجهود الفرنسية، خصوصاً الذين أيدوا تسمية أديب، رئيساً مكلفاً، وهم الآن، لايزالون يبدون كل تجاوب مع مهمة رئيس الحكومة المكلف، كذلك يقدمون كل التسهيلات، لولادة الحكومة العتيدة، في أسرع وقت ممكن، بحسب تأكيد نأئب في كتلة الوفاء للمقاومة.
ولاريب أيضاً، أن الأجواء الإيجابية التي تسود البلاد راهناً، ستسهم في الحد من التدهور والإنهيار الإقتصادي، خصوصاً ضبط التلاعب الكبير في سعر صرف الدولار الأميركي، مقابل الليرة اللبنانية. والأهم من ذلك كله، أن لبنان تجاوز قطوعاً خطراً جداً، كاد أن يدخله في المجهول، على غرار ما كان يحدث في سورية والعراق خلال الأعوام الفائتة، أي محاولة إسقاط الدولة برمتها، ووضع لبنان في ثلاجة الإنتظار، وإدخاله على خط تسويةٍ شاملةٍ للصراع في المنطقة، والكلام هنا، منقول بدقةٍ عن مرجع سياسي وقطب نيابي كبير. وقد يؤّمن هذا السلوك التخريبي، لبعض الأطراف المحليين، من المسيحيين ، وأهل السنة تحديداً، مصالحهم الآنية، كذلك قد يساعدهم في محاولة فرض شروطهم، في أي تسويةٍ سياسيةٍ في المنطقة، طبعاً وفقاً لمراهناتهم وحساباتهم الخاصة، بالتماهي مع بعض دول إقليمية، أحدها فشل في كل مراهناته، بعد إعتمادها على الإرهاب والتطرف لتحقيق أهدافه السياسية في المنطقة، وبعضها الآخر، لايزال يسعى الى بسط نفوذه بقوةٍ في شرق المتوسط، وإقامة حدود بحرية مفتوحه، تأهله على الحضور الفاعل في إدارة ملف ثروة الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط. وهذا ما حفّز الفرنسيين أكثر فأكثر، للدخول على خط الأزمة اللبنانية، بهامش محدد متاح لهم من الولايات المتحدة، وإستخدام لبنان، الذي تربطه علاقات تاريخية وثقافية واجتماعية مع فرنسا، للإطلالة الفرنسية على "الشرق"، للتصدي للمد التركي، الذي يحاول العودة الى إتفاق هدنة مودروس 1918، التي أنهت العمليات القتالية في الشرق الأوسط بين الدولة العثمانية والحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى، وكانت تعطي نفوذاً لتركية على أطراف حلب الشمالية، القامشلي ، الحسكة، الموصل، وبعض الجزر في المتوسط، وإقامة حدود بحرية مفتوحة، ونفوذ بحري واسع، وصولاً الى الساحل الطرابلسي في شمال لبنان، برأي مرجع في العلاقات الدولية. كذلك تحاول أنقرة فرض واقع ديموغرافي معين في الشرق السوري، من خلال سياسة التعطيش والتجويع لسكان الجزيرة السورية، لدفعهم الى التهجير، واستبدالهم بالنازحين الموجودين في الاراضي التركية، والموالين لأنقرة، قبل حلول التسوية المرتقبة، ليكون للنظام التركي اليد الطولى في الجزيرة، وإحتواء أي محاولة كردية إنفصالية، هادفة الى إقامة "كونتون كردي" في شرق سورية، يضيف المرجع.
أما في شأن نجاح الدور الفرنسي في لبنان والمنطقة، خصوصاً في شأن تدوير الزوايا، بين محوري المقاومة والولايات المتحدة، فهذا الأمر متوقف بواقعية المفاوض الفرنسي، ومقاربته للقضايا العالقة، والبحث فيها بموضوعية، ورصانة، بما يرضي الأطراف المعنيين، فلا مجال للمساومة على القضايا المصيرية، بحسب تأكيد مصادر سياسية قريبة من محور المقاومة. وتجزم بدورها، أن مسألة تسليم الصواريخ الدقيقة على سبيل المثال، غير قابلة للبحث.