أقلام الثبات
زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون السريعة إلى لبنان، بدأت قبل أن تحط عجلات طائرته الرئاسية على أرض مطار بيروت الدولي، إذ قبيل ساعات من وصوله، صار لدينا اسم رئيس حكومة عتيد.
وكأنه يعلم أن دلع وغنج سياسيي لبنان، ومعهم الرئيس أو الرؤساء المكلفين بولادة الحكومة، ورقصهم على الحبال يجعل من ولادة التشكيل أمراً عسيراً وطويلاً، منذ انتهاء مرحلة ماكان يطلق عليه "زمن الوصاية السورية"، حين دشن فؤاد السنيورة مرحلة العد الطويل للولادة الحكومية إذ استغرق تشكيل حكومته الأولى 20 يوماً، بينما رأت حكومته الثانية النور بعد 45 يوماً، فيما افتتح سعد الحريري الولادة الحكومية بعد مرور أكثر من مئة يوم، فكانت حكومته الأولى بعد مخاض استمر 135 يوماً، وحكومة الميقاتي الثانية قطع حبل خلاصها بعد 140 يوماً، ليضرب تمام سلام الرقم القياسي حتى الآن بولادة حكومته التي استمر مخاضها 315 يوماً، أي نحو عشرة أشهر و15 يوماً، بينما جاءت ولادة حكومة سعد الحريري الثالثة بعد الانتخابات النيابية الأخيرة بعد أكثر من سبعة أشهر، والتي خلفت حكومته التي جاءت نتيجة التفاهم الرئاسي بعد 46 يوماً من التكليف، ثم كانت ولادة حكومة الرئيس المظلوم حسان دياب بعد أقل من ستة اسابيع على تكليفه.
والآن جاء دور الرئيس المكلف مصطفى أديب، الذي سبق استشارات تكليفه، ومن ثم مسيرة التشكيل سلسلة تهديدات ومواقف فرنسية كان قد استهلها جان ـ ايف لودريان بانذار واضح لا لبس فيه، أنه إذا لم يخضع البلد الصغير لسلسلة من العمليات الجراحية لن يكون هناك لبنان بعد وقت قصير.
تحذير لودريان، سليل الجنرال غورو، ووزير خارجية ماكرون، كان فيه كثير من المرارة وكثير من التهديد، ربما تجاوز ما كان يفعله أبو يعرب السوري، ثم أبو عبده مع سياسيي البلد، حيث قال بالحرف الواحد:
"la disparition du Liban" أي ما معناه "اختفاء لبنان".
وبالطبع حين يتحدث لودريان بهذه اللهجة الحادة، معناه أنه لدى الاليزيه، تقارير ووقائع حول الإرتكابات والفظائع المالية في لبنان، ولوائح بالاسماء للذين امتدت أياديهم الطويلة إلى المال العام.. وربما الخاص، دون أن يرف لهم جفن مع اقتراب الدولة والبلد من السقوط أو الانفجار الذي تبلور مع انفجار المرفأ المريع.
مع هبوط عجلات الطائرة الرئاسية الفرنسية على أرض المطار إذاً، كانت الساحة السياسية اللبنانية مهيأة، للقبول من الطبقة السياسية بالمواقفة على أن يكون ايمانويل ماكرون مرشداً للجمهورية، وهو أجاد لعب هذا الدور بنجاح منقطع النظير: فكان واضحاً بتأكيده ان الحكومة خلال 15 يوماً، والإصلاحات في ثمانية أسابيع، (ترى ماهي طبيعة هذه الإصلاحات، هل هي الخصخصة، وتصفية املاك الدولة، ورفع الدعم، كما يشترط البنك وصندوق النقد الدوليين)... وإلّا فالعقوبات.
انتبهوا "وإلّا فالعقوبات".
إذاً، كل شيء ركب على سكة السفير مصطفى أديب الذي عثر عليه فجأة، ومهدت له الطريق الواسعة على طريقة "إخراج الأرانب" من كم الساحر.
في زمن المرحوم رستم غزالي أو "أبو عبدو السوري"، وقبله أبو يعرب كنعان كان يرسل لائحة باسماء الوزراء ويترك فيها بعض الفراغات، ليتم ملأها حسب رغبة الرئيس المكلف، والمرة الوحيدة التي لم يحصل فيها هذا الأمر، كان في زمن حكومة الرئيس سليم الحص في نهاية عام 1998 مع بدء عهد الرئيس إميل لحود، وربما لهذا السبب فازت غنوة جلول على أحد أهم رجال الدولة الذي مروا في تاريخ لبنان الحديث في انتخابات 2000.
هذه المرة، يبدو أن مسيو ماكرون لم يترك للساسة اللبنانيين "المحترمين" حتى هامش إملاء الفراغ بالاسماء المناسبة.
ببساطة، الكل وافق، لأن المعلومات كانت قد تناهت إلى الآذان، بأن الصحف الفرنسية، ستباشر بنشر وثائق تظهر وتكشف ودائع ساستنا في البنوك الأجنبية..
يبدو انهم فهموا الدرس أو اختشوا من الآتي فسارعوا إلى البصم.
أخيراً قد يكون ضرورياً التذكير، بأنه من الضروري التحذير من قفازات وكمامات ماكرون، لأنه قد يكون هناك الكثير وراء أكمة من جاء إلى الرئاسة الفرنسية من مؤسسة روتشيلد، وللتذكير أيضاً، فإن أول عمل قام به من أعلن قيام "دولة لبنان الكبير" في الأول من أيلول عام 1920، وعنيت به الجنرال غورو، بعد دخول القوات الفرنسية دمشق، أن توجه إلى قبر صلاح الدين، وقال له: "ها قد عدنا يا صلاح الدين" وانت الذي قلت: انكم خرجتم من الشرق ولن تعودوا إليه".
وبالمناسبة، فاحفاد صلاح الدين في "قسد" هم الآن مماليك عند الأميركيين الذين لا هم لهم سوى استهداف سورية، قلب العروبة النابض.
حمى الله لبنان في يوم مئوية إعلان غورو.