أقلام الثبات
حسان دياب ومصطفى أديب، تجمع بينهما المؤهلات الأكاديمية الرفيعة، إضافة الى أنهما من خارج لائحة الأسماء التي اشمأز اللبنانيون من سماعها منذ التسعينات من القرن الماضي، لكن الفارق بين الرجلين، أن الأول لم تغمره بَرَكة بيت الوسط التي نالها الثاني، وأمضى دياب تسعة أشهرٍ في حكومة أوادم ليست فقط ممنوعة من العمل، بل دفعت أثمان ما ارتكبته كل الحكومات الحريرية من زمن قريطم الى زمن بيت الوسط، لكن يُسجَّل للرئيس دياب، أنه كما الرئيس الدكتور سليم الحص، لا يرتضي لنفسه ولمسيرته أن ينضمّ الى مجموعة ما يُسمَّى "نادي رؤساء الحكومات السابقين"، مجموعة الثعالب العاجزة عن الوصول الى عنقود السراي وتقول عنه "حُصرم".
جاء مصطفى أديب بتزكية 90 نائباً من أصل 120، وكان من المُفترض أن تأتي تزكيته كاملة لولا أن مبدأ "خالِف تُعرف" يعتمده سمير جعجع عبر نواب "الجمهورية القوية"، جعجع الذي "لا شغلة ولا عملة" لديه سوى التصويب على ميشال عون، ويتباهى بأنه ليس فاسداً على المستوى الحكومي، لكن الرأي العام يُدرك بالتفاصيل مصادر ثروة جعجع وزوجته، هو الساكن في قصرٍ خيالي بمعراب ويرى في خيالاته وأوهامه أنه قد ينتقل الى قصر بعبدا في يومٍ من الأيام!
لا علاقة للجنسية الفرنسية التي يحملها أديب، ولا بمصاهرته لفرنسا، بل أن طبخة التكليف حُشِر فيها "شيف الطباخين" سعد الحريري بأوامر من الرئيس إيمانويل ماكرون، ليس فقط بصفته رئيساً لفرنسا، بل ممثلاً لقيادات الإتحاد الأوروبي، خصوصاً أن لبنان كما بعض الدول الإفريقية من ضمن الحصَّة الفرنسية في موازين قوى الدول الكبرى، ولبنان موطىء قدم فرنسا في الشرق الأوسط، ولا يستطيع حتى دونالد ترامب معارضة مصالح فرنسا، لما لها من وزن عسكري ومادي في حلف الناتو، خصوصاً في المواجهة الحامية حالياً بين اليونان وتركيا، وفرنسا تقف الى جانب اليونان بصفتها إحدى دول الإتحاد الأوروبي.
إذاً، لبنان دولياً من حصة فرنسا، وبرضى لبناني داخلي غير مسبوق، والقوى السياسية التقليدية وجدت نفسها- هي المنبوذة من الشارع- تستسلم راضيةً مرضية لمشيئة ماكرون، لأنه مفتاح "سيدر"، وأقوى المفاوضين الدوليين مع صندوق النقد الدولي، وهو الحامل عصا التأديب، الى درجة تطبيق عقوبات، تصل الى تجميد الأرصدة المالية لبعض الساسة اللبنانيين في البنوك الأوروبية والأميركية على من يعصى أوامر "فرنسا ماكرون".
هناك ما هو أبعد من الحكومة المطلوب من الرئيس مصطفى أديب تشكيلها على عجل، وهي ستأتي حُكماً مشابهة من حيث أهل الإختصاص وأصحاب السيرة الذاتية النظيفة كما حكومة الرئيس دياب، لكن الفارق، أن أديب أتى بدعم إقليمي أقوى، قوامه التفاهم الفرنسي الإيراني على هامش الملف النووي، وانصياع سعودي أميركي للأمر الواقع، لأن السعودية تعيش هموم انتقال العرش، وأميركا دخلت مرحلة "البطة العرجاء" التي تُطلق على الفترة التي تسبق الإنتخابات الرئاسية، بحيث يطغى التردد والتريُّث في اتخاذ قرارات استرتيجية، سيما وأن ترامب عزَّز موقعه الخارجي إنتخابياً بإتفاق التطبيع بين الإمارات والعدو الصهيوني، والعقوبات الأميركية على حزب الله سترمي لبنان أكثر فأكثر في أحضان الحزب وفق النصيحة الأوروبية والقناعة الأميركية التي أرغمت ترامب على التفاوض مع طهران من تحت الطاولة..
دياب "سُنِّي" بِزَيت .. وأديب بِسَمنة فرنسية! ـ أمين أبوراشد
الأربعاء 02 أيلول , 2020 08:22 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة