أقلام الثبات
بدعوة وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي، الهيئات الناخبة، لإجراء إنتخابات نيابية فرعية في بيروت والمتن وكسروان وزغرتا والشوف وعاليه، لإملاء شواغر النواب المستقيلين، يُسدل الستار على أوهام المُطالبين بتقصير ولاية مجلس النواب وإجراء إنتخابات نيابية مُبكرة، علماً بأن الشعب اللبناني بغالبيته يتمنى رحيل غالبية أعضاء هذا المجلس، لكن الظروف التي يمرّ بها هذا الشعب، تجعل رغبته الإنتخابية معدومة وأن الإنتخابات بنظره مسألة ترف في غير محلِّه، تماماً كما الكماليات التي تخلَّى عنها من السلَّة الإستهلاكية اليومية التي خفَّضها الى الثلث وما زال قاصراً عن صراع البقاء.
مجموعة نواب لكلٍّ منهم مبرراته للإستقالة، بعضهم ذهبت أوهامه الى حدود تقويض أساسات العهد عشية قرار المحكمة الدولية (مروان حمادة)، والآخر يحلم ربما بأن يكون سيِّد العهد القادم (هنري حلو)، والبعض شاءها قنبلة ثورية مثل بولا يعقوبيان لكنها جاءت دخانية، خصوصاً عندما أعلنت بسذاجة أنها ربما تكون هي المرشحة من جديد عن مقعدها الشاغر، ولعل المضحك المبكي جاء في "مسرحية استقالة" ديما جمالي التي كلفتنا إنتخابات أساسية وفرعية، وتجربتنا معها مثل تجارة جحا، هذه الإستقالة المهزلة، شاءتها جمالي تضامناً مع بيروت بعد الإنفجار، فيما تناقلت وسائل الإعلام أنها تلقَّت عرضاً مغرياً لمركز عميدة كلية في إحدى الجامعات بإمارة الشارقة، وقررت الإنتقال مع عائلتها للعيش هناك!
والترشُّح من جديد للمقعد الشاغر من قِبَل النائب المستقيل، هو أدنى مستويات التفكير السياسي، لأن وضع المجلس النيابي باقٍ على ما هو عليه بالنسبة لميشال معوَّض ونعمة افرام، لكن المصيبة الكبرى هي لدى نواب الكتائب المستقيلين، سامي ونديم الجميل والياس حنكش، لأن المشكلة ليست في التمثيل النيابي لحزب "الله والوطن والعائلة"، بل المشكلة في "العائلة" التي لا ترضى خروج الحق التمثيلي المتوارث لدى عائلة الجميل، وإذا كان هناك مَن حَقَنَ سامي الجميل بحليب السباع، فهو قائد القوات سمير جعجع الذي وضع استقالات نواب "الجمهورية القوية" في جيبه لزلزلة عهد ميشال عون، لكن نواب جنبلاط وتيار المستقبل قطعوا عليه طريق "الأكشن"، هو الذي يُحِبّ الأكشن كثيراً منذ "حالات حتماً"!
ولأن سامي الجميل كان أول مَن طالب بإنتخابات نيابية مُبكرة، هو الذي أصدر كتاباً عن نضالاته البرلمانية، فهو أكثر المستقيلين حرجاً في الإنتخابات الفرعية، لأن "دستور" التوريث لدى آل الجميل أثبت، أن البديل عندهم لا ينوب عن الأصيل، فكيف سترضى العائلة بترشيح أحد الكتائبيين من غير عائلة الجميل بديلاً عن سامي ونديم حتى ولو كان المرشَّح كتائبياً من الصف الأول؟
حال هذه العائلة مع التوريث النيابي كما هو حالها مع رئاسة حزب الكتائب، والذي حصل على الشكل التالي:
بعد وفاة المؤسس بيار الجميل عام 1984، تم انتخاب إيلي كرامة لمدة سنتين، ثم جاء جورج سعادة من العام 1986 حتى وفاته عام 1998، وهو المعروف بشعار الإنتقال بالكتائب من زمن المؤسس الى زمن المؤسسة، وكانت هناك مرحلة انتقالية مع منير الحاج من 1998 حتى 2001، الى أن أتى كريم بقرادوني من 2001 حتى 2007، وخلال ولايته، قرر أمين الجميل إعلان نفسه رئيساً أعلى للكتائب، في إشارة لإستعادة الحزب الى كنف العائلة وأبقى نفسه في هذا المنصب حتى كَبِر الوريث سامي وتسلَّم رئاسة الحزب عام 2015.
وعليه، وبما أن مستوى التعاطي السياسي والحزبي في لبنان بات في هذا الدرك، والشعب الغفور يميل الى الخنوع للشيخ والبيك، وحيَّد المشيخة والباكوية عن استهدافاته حتى في عزّ ما تُسمَّى ثورة 17 تشرين، فإن هذا الشعب مدعوٌّ في هذه الإنتخابات النيابية الى ثورة حقيقية، ليس على قاعدة "كلُّن يعني كلُّن"، بل الى وعي في البصر والبصيرة خصوصاً في مواجهة شراذم التوريث السياسي وتُجَّار المواسم وجماعات الجعجعة من غير طحين ...