أقلام الثبات
دأبت العديد من التحليلات السياسية والصحافية على ترويج طرح الثنائي الشيعي ضرورة عودة الرئيس سعد الحريري على رأس السلطة التنفيذية، وأن الحريري بات الأقدر اليوم على احتواء المشاكل الداخلية والضغوط الخارجية. الأمر الذي تلقفه الحريري لوضع شروط لعودته، معتبرًا أن المطالبة به اليوم، تسمح بالغنج والدلال وفرض الشروط بعدما كان الرئيس بري قد أعطاه "لبن العصفور" في السابق بلا جدوى.
وبغض النظر عن الرأي الشخصي بالرجل، لكن تسويق الحريري للعودة على رأس حكومة وحدة وطنية، يجعل المواطن اللبناني أمام أسئلة وطنية كبرى كالتالي:
- أولاً؛ بغض النظر عن حجم الذين بقيوا في الساحات لغاية اليوم والاستغلال السياسي والحزبي والخارجي للمظاهرات الشعبية، نزل اللبنانيون في 17 تشرين الأول عام 2019، بكل فئاتهم وطوائفهم لتعترض على آداء السلطة التنفيذية المتمثلة بسعد الحريري وحكومته، لذا فإن أي حكومة اليوم تعيد انتاج نفس السلطة السابقة، يعني أن الطبقة السياسية تدوس على الشعب بأرجلها، وتعتبره نكرة لا يهمها الركون الى رأيه.
- ثانيًا، لقد أثبتت التجربة في 17 تشرين الأول وما قبلها، أن الحريري كان جزءًا من الانقلاب الفاشل الذي حصل وحاولت فيه الاحزاب السياسية المنضوية في قوى 14 آذار أن تنقضّ على شركائها من التيار الوطني الحر وحزب الله وعلى نتائج الانتخابات النيابية، وأن تقوم بتشكيل حكومة لا تعكس تشكيلة المجلس النيابي، وأن تستفرد بالسلطة لوحدها، تمامًا كالطرح الذي يتم طرحه اليوم تحت عناوين متعددة كحكومة حيادية أو حكومة مستقلين (بغض النظر عن هوية رئيسها).
- ثالثًا؛ لقد أثبت الحريري في معظم الأزمات والأوقات الحرجة التي يمر بها لبنان، أنه دون المستوى المطلوب من الصفات القيادية المطلوبة، فبعد استقالته من الحكومة الأخيرة، مارس "الحرد والاعتكاف" وسمح بتعطيل المؤسسات في الدولة وخصوصاً تلك المنوط بها حفظ الأمن والاستقرار، ونعطي على سبيل المثال لا الحصر دعوة المجلس الأعلى للدفاع الذي كان من المفترض انعقاده لإعطاء توجيهات واضحة للقوى الأمنية بمنع قطع الطرقات على المواطنين ومنع "البلطجة" التي مارستها بعض القوى الحزبية والميليشياوية تحت غطاء الثورة بعد 17 تشرين الأول.
ناهيك عن التورط بالفساد والخطوط السياسية الحمراء التي وضعها الحريري على محاسبة المتورطين بالفساد من سياسيين وإداريين وأمنيين تابعين لتياره. ويمكن أن نذكر عيّنة وزير الاتصالات الأسبق محمد شقير (على سبيل المثال لا الحصر)، لندرك النوعية التي سيختارها الحريري من وزراء لتشكيل حكومة والتي يطالب بأن يسميها كلها بنفسه!.
- رابعًا؛ بالرغم من معرفة الأطراف التي تعيد المطالبة بالحريري أن الفيتو الخليجي على الحريري لم يزل قائمًا، وإن إزالة هذا الفيتو يتطلب تغييرًا في مقاربة الحريري السياسية الداخلية أي أن المطلوب منه تبني الخطاب الخليجي باعتبار "حزب الله ميليشيا ارهابية" ومطلوب التحريض على فتنة سنية شيعية بعد حكم المحكمة الدولية وغيرها... عدم قدرة الحريري على فعل هذه الأمور، يعني ان الفيتو الخليجي لم يزل قائمًا وبالتالي لا مساعدات خليجية للبنان.
- خامسًا؛ إن عودة طرح الحريري من قبل الثنائي الشيعي كما تشير التقارير الاعلامية، يعني ان هذا الثنائي لا يقيم وزنًا ولا اعتبارًا لكرامة رئيس الجمهورية ولا التيار الوطني الحر الذي تعرّض لأبشع أنواع التخوين والاتهامات بسبب تحالفه مع حزب الله، خصوصاً بعد 17 تشرين الاول 2019...
ثم إن الجحود يبدو صفة من صفات الرجل، فلقد ساهم كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ووزير الخارجية الأسبق جبران باسيل بإخراج الحريري من السعودية وحفظ حياته بعدما تمّ استدعاؤه الى السعودية وإجباره على الاستقالة، وبالرغم من ذلك، فهو لا يتوانى عن التجريح الشخصي بهما. فما الذي سيمنعه من الانقضاض على حزب الله لاحقًا لإرضاء الخليجيين؟
اعتبارات متعددة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار حين يتم إعادة طرح الحريري كتسوية لحلّ الأزمة الحكومية في البلاد، والتي يصح فيها المثل الشعبي القائل "من جرّب المجرّب كان عقله مخرّب".