أقلام الثبات
لن نقف على أطلال الدمار ونبكي على الدُمَن، بل على شهدائنا وجرحانا الذين قضوا في انفجار المرفأ، وعلى الكارثة المادية التي حلَّت في الزمن الصعب، ونلتقط أنفاسنا اللاهثة خلف حقيقة ما حصل، ونحمد الله أن ما حاولت بعض وسائل الإعلام ترويجه فور وقوع الإنفجار الرهيب، بأنه كان يستهدف بيت الوسط عشية النطق بالحكم في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ليس صحيحاً، بل الصحيح أن بعض هذه الوسائل الوضيعة، تحاول حتى على الجثث صناعة "السكوب" الإعلامي ضمن مسلسل النحر في خاصرة هذا العهد.
وبعين المحزون نرى الأمور، وبعض من أمل وسط سواد المصيبة، تأكد لنا أن لبنان ليس مُحاصراً لدرجة الإختناق، بدليل التضامن قولاً وفعلاً مع بيروت المنكوبة، من كندا الى فرنسا مروراً بتركيا وقطر والكويت ومصر والعراق وسورية، وسواها من الدول التي تواصل قادتها مع الرئيس ميشال عون وعرضوا المساعدات على لبنان، في ما يشبه فكّ جزئي لِطوق العزل الذي فرضته السياسات الأميركية المُدمِّرة.
نعم، نحن نُدرك أنه ممنوع على ميشال عون أن يحكُم، و"الجريمة" التي ارتكبها أنه حليف المقاومة، وهذه مسألة واضحة منذ بدأت الضغوط الخارجية الدولية والإقليمية من بداية عهده، وممنوع أن تحكُم حكومة لم تنل بركة واشنطن ومعها الرياض، خصوصاً بعد أن دخلت قرون "صفقة القرن" ومعها قانون قيصر الخاصرة اللبنانية، في أعنف حرب تجويع لم تواجهها حتى فنزويلا، واللبنانيون أمام خيارٍ واحدٍ: الجوع والمواجهة، شرط أن لا يبقى لبنان وحيداً، وتكون له سياسته الخارجية السيادية.
وتزامناً مع عملية التسلُّم والتسليم في وزارة الخارجية قبل ساعات من كارثة المرفأ، أكد وزير الخارجية الجديد شربل وهبة أن لبنان ليس محاصراً، ونترك للمحلِّلين في لبنان تحليلاتهم واجتهاداتهم، عن أسباب استقالة الوزير ناصيف حتِّي، منهم مَن تحدَّث عن الإشكالية التي سبَّبتها زيارة الوزير الفرنسي لو دريان و"الإهانة" التي وجهها له الرئيس دياب، ومنهم مَن اعتبر أن تهميش حتي بعدم دعوته للقاء السراي مع لو دريان هو السبب الأساس، بينما المنطق الأقرب الى الواقع في دوافع الإستقالة، أن اللواء عباس ابراهيم - ومنذ زمن حكومة سعد الحريري- هو الموفد الرئاسي الى الخارج لمعالجة أصعب الملفات، وفي طليعتها ملف النازحين السوريين، وهو أيضاً الأقدر على معالجة الكثير من ملفات الداخل، من الملف المالي وأزمة المصارف، وصولاً الى تكليف الأمن العام فتح المحطات التي رفضت تزويد المواطنين بالوقود في الجنوب.
نجومية شخصية وطنية بمستوى اللواء عباس ابراهيم، هي من جهة ليست من فراغ بفضل قدرات الرجل، وهي من فراغ بعض المسؤولين من واجباتهم وفي طليعتهم سعد الحريري وكل وزير ونائب لا بل كل زعيم من مخلفات 14 آذار يسعى لتقويض عهد ميشال عون والتسديد على المقاومة، لدرجة استخدام النازحين السوريين دروعاً سياسية لإسقاط ميشال عون، وهذه الحملة تكثَّفت ضد عودة العلاقات الطبيعية الكاملة مع سوريا بعد إقرار حكومة دياب خطة إعادة النازحين، والتي يبدو أنه ممنوع على الوزير حتي أميركياً وسعودياً أن يكون رأس حربة فيها.
أما عن حكومة دياب، فحتى لو كان قدرها مواجهة كل الكوارث، من الأزمة الإقتصادية الى انتشار وباء الكورونا الى الكارثة التي حصلت لبيروت أمس، فمِن مصلحة العهد بقاءها حتى نهاية العهد، سواء استمرت بكامل وزرائها الحاليين أو تم استبدال البعض منهم، وميشال عون مُلزم أن يُكمل "باللي بقيوا"، وأمام استحقاقٍ داخلي داهِم برتبط بالحُكم / المهزلة للمحكمة الدولية، واستحقاق خارجي يرتبط بالمناوشات الصهيونية على الحدود، ووجود أدوات داخلية لبنانية تراهن على فلتان في الداخل وعدوان من الخارج لقلب المعادلات، مطلوب تماسك القوى السياسية الوطنية وفكّ الحصار عن بعبدا، وبوابة الفرج الأولى هي دمشق وليس سواها، لأن الكيان اللبناني بات على المحكّ، وكفانا نُنشِد هذا الوطن كلماتٍ وأغانٍ وألحان على المسارح، ونصدح له "كرمالك يا وطن"...