أقلام الثبات
حذر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بالتزامن مع تواجد وزير خارجيته في موسكو، من تسليح القبائل الليبية، متخوفا من تحول ليبيا إلى صومال جديدة، وهو بالطبع تصريح موجه إلى مصر التي أعلن رئيسها أستعداده لتسليح القبائل الليبية لردع الغازي التركي.
والمثير للجدل أننا لم نسمع للجزائر صوتا حين كان أردوغان ومازال يرسل الأف المرتزقة الى غرب ليبيا وبالقرب من حدودها، وهولاء مرتزقة أجانب أتوا إلى ليبيا لقتال أهلها، وليسوا كالقبائل الليبية التي تدافع عن أرضها، كما كان أهل الجزائر يدافعون عن إستقلالهم ضد المستعمر الفرنسي وبتسليح وتدريب وتمويل من مصر أيضا !
كما أن هؤلاء الإرهابيين يتوعدون في فيديوهاتهم مصر وجيشها فقط، والأخطر انهم يتسللون عبر جنوب ليبيا قاصدين الحدود المصرية قاطعين مسافة كبيرة جدا في عمق الصحراء ، بينما لم نر إرهابياً واحداً توجه الى حدود الجزائر التي لا تبعد عنه سوى بضعة كيلو مترات، مع أنه يفترض أن الإرهابي لا يفرق بين دولة وأخرى أو شعب وأخر !
وتلك أبرز الأسباب التي دفعت الجزائر للتناقض مع مصر في الملف الليبي :
أولا : الجزائر ومنذ بداية الحرب على ليبيا فضلت سقوط ليبيا ودخولها في نفق الفوضى، لأن هذا يمنحها السيطرة التامة على حوض غدامس النفطي الواقع على الحدود الليبية ـ الجزائرية، وهو الأمر الذي تجلى عندما أرسلت الجزائر أكثر من مئة طن شحنات غذائية كدفعة ثانية من المساعدات لأهل غدامس في يناير/ كانون الثاني الماضي، مع العلم أن غدامس خارج ساحة الصراع بين الجيش الوطني الليبي ومليشيات حكومة الوفاق من الأساس.
ثانيا : للاعلام القطري تأثير في الرأي العام الجزائري، فتبقى قناة الجزيرة القطرية المناهضة لحفتر ولمن يدعمه وفي المقدمة مصر هي الأكثر مشاهدة ومتابعة من الشعب الجزائري على مستوى القنوات الأخبارية، ولذلك المزاج الشعبي في الجزائر لا يميل لدولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك إلى مصر برغم تاريخ النضال والكفاح المشترك بينهم.
ثالثا : إذا كانت المشكلة في تونس مع الإسلاميين وعلى رأسهم راشد الغنوشي، فالمشكلة في الجزائر ليست بالإسلاميين الذين هم بالطبع رافضين لحفتر ومن يدعمه ، ولكن المشكلة في شخصية الدولة الجزائرية ، التي ترى في أنتصار الجيش الوطني الليبي انتصاراً للمنافسين لها، ومن هنا ترفض الجزائر أن يصل المشير خليفة حفتر بجنوده الى الحدود الجزائرية عبر تحرير طرابلس، كي لا تكون مصر على الحدود الجزائرية، فالدولة الجزائرية لديها حساسية تاريخية تجاه ثلاث دول، وهم المستعمر القديم (فرنسا)، والجار اللدود (المغرب)، وعقدة الزعامة (مصر).
فما كان للرئيس التركي أن يزور الجزائر للمرة الثانية في أقل من شهر (يناير الماضي) إلا بعد أن تأكد أن الجزائر لن تكون داعمة للجيش الوطني الليبي، وأنها ستكون ثغرة جديدة أمامه لإختراق الجسد العربي، حتى ان الإستخبارات الجزائرية شاركت في دعم قبائل بالغرب الليبي، وبالتحديد أمازيغ نالوت وجزءاً كبيراً من قيادات الزنتان ضد الجيش الوطني الليبي، وهو ما كان له عامل كبير في سقوط قاعدة الوطية والغرب الليبي بيد المرتزقة الأتراك، فلم يأت تهديد حفتر منذ عامين بنقل الحرب الى الداخل الجزائري من فراغ، بل بعد أن فاض به الكيل من موقف الجزائر العدائي له، فما بالكم بما وصلت به الأمور اليوم، في ظل التنسيق العالي بين الجزائر وتركيا على المستوى الأمني والدبلوماسي.
أخيراً وليس نحن نُمنّي أنفسنا أن نرى في الغد موقفاً عروبياً مشرفاً من الجزائر التي نعرفها، جزائر نوفمبر .. جزائر الثورة.. جزائر العروبة، جزائر بن باديس (جزائر الإسلام) وليس جزائر باريس ، فإن لم تساعد الجزائر القوات المسلحة العربية الليبية في محاربة الإرهاب اليوم، فسينتصر الإرهاب في الجزائر نفسها غدا.