أقلام الثبات
بداية علينا أن نؤكد للمرة المليون أن في كل ما يحدث على مسرح الشرق الأوسط من تحركات منذ ربيع 2011م العبري، ما هو إلا تحركات لعرائس ماروينت في يد الولايات المتحدة، ولا تخدم سوى مصالح إسرائيل فقط.
وما كان "للعثمانلي" أن يتبجح بهذا الشكل في ليبيا وهو من كان يصرخ كل يوم مستجدياً الناتو عندما كشر الجيش السوري عن أنيابه في وجهه في آذار/ مارس الماضي، وبالمثل يتبجح رئيس وزراء إثيوبيا في حقوق مصر والسودان بمياه النيل، ويعتدي أكثر من مرة على الحدود السودانية، ويسقط شهداء من الجيش السوداني، وفي كل مرة كان هناك من يحرك هولاء المارونيت، وفي تحركهم هدف لخنق مصر تماما، بعد أن فشل وكلاء إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما (الإخوان المسلمون) في تنفيذ مخططهم 2012م، حتى تطلب الأمر نزول الأصلاء الى ساحة الحرب نفسها لمواجهة مصر مباشرة.
وتأتي تغريدة خليفة باراك اوباما المحتمل جو بايدن بتاريخ 12يوليو الجاري بجانب تصريحاته التي وصف فيها الرئيس المصري بديكتاتور ترامب المفضل في نفس سياق حرب الدولة العميقة بواشنطن على مصر وباقي الدول العربية.
ومن هنا لا عجب في إن إسرائيل تريد أن تكون جزءاً من معضلة "سد النهضة" ومعادلة تقسيم حصص المياة بين دول حوض النيل، وبهذا تتواجد أصابع إسرائيل في ليبيا، وتحديدا عبر يهود مصراتة للثأر مما جرى ليهود ليبيا في منتصف القرن الماضي من جانب، ولتهديد مصر من حدودها الغربية عبر دعم تركيا العسكري العلني من جانب أخر، فيهود مصراتة يلعبون الجزء الأكبر في مخطط إسرائيل تجاه مصر والجزائر، ولا ننسى أنه في عام 1892م قدم سفير بريطانيا في تونس هاري جوهنستون اقتراح أن تكون مصراتة وطناً قومياً لليهود، ثم تكرر العرض في عام 1945 على يد تشرشل رئيس وزراء بريطانيا نفسه، حين مناقشة تقسيم المستعمرات الإيطالية، والحقيقة أن اليهود رفضوا مصراتة كعاصمة لمملكة بني "إسرائيل" الجديدة، ولكنهم لم يرفضوا مصراتة كنقطة إرتكاز لهم في شمال أفريقيا.
منذ عام 1892م وحتى عام 1904حاول تيودور هرتزل (مؤسس الكيان الصهيوني) إنشاء وطن قومي لليهود أو على الأقل صنع جيتو لليهود في غرب ليبيا، ولكن من المفارقات العجيبة أن ملك أيطاليا فيكتور الثالث رفض، بينما السلطان العثماني عبدالحميد كان مرحباً جداً بالفكرة، ولذلك كانت مؤتمرات ما سمي بـ "يهود ليبيا" والتي عقدت في عواصم أوروبية مختلفة بالأعوام الماضية لم تأت صدفة، والأخطر عندما جرت زيارات لمجموعات يهودية بصفة دائمة في الأونة الأخيرة بالتزامن مع مطالبة رئيس ما يعرف بـ "إتحاد يهود ليبيا" المدعو رافائيل لوزون بضرورة عودة 40ألف يهودي إلى ليبيا وإشراكهم في الحياة السياسية بعد دفع تعويضات مالية لهم عن أملاكهم التي قدرها بـ 215 مليار دولار .
ويقدم رافائيل لوزون نفسه على أنه من أبرز أعضاء "الحزب الديمقراطي الليبي"، وهو الحزب الذي أسس في مصراتة عام 2012م على يد أحمد الشيباني الموالي لرئيس حكومة الوفاق فايز السراج.
وبعدها جاء الترحيب بما قاله لوزون من رجل عزمي بشارة في ليبيا، المدعو محمود شمام وزير الإعلام في عهد المجلس الانتقالي، والذي كان عضو مجلس إدارة قناة الجزيرة القطرية وعضو المجلس الاستشاري لمركز كارينجي للسلام، قبل أن يفجر مفاجأة صادمة بتواصله مع لوزون منذ فترة طويلة لإعادة اليهود إلى ليبيا مجددا.
لذلك لا تتعجبوا من أن تكون مصراتة هي عاصمة "جماعة الإخوان" في ليبيا، ومقر المخابرات الأيطالية، ومركز الثقل التركي واليهودي هناك، والأن بعد شرح ما يجري في كواليس ما يسمى بيهود ليبيا لعله تكون قد أتضحت كيف تشابكت خيوط الأعداء معا لتمزيق ليبيا تماما، وحجم التحدي الرهيب أمام مصر، فعدو مصر في ليبيا ليس مجرد مرتزقة تركمان أو سوريين، بل دول كبرى فشلت في إسقاط مصر عبر فوضى الثورات، ثم فشلوا في إستنزافها بسيناء، حتى باتت المواجهة المباشرة على الأعتاب، بعد أن أتفقوا على فتح جبهتين على مصر في وقت واحد.
وعلى ذكر اليهود والعثمانيين، فأود أن أختم مقالي بأخطر جزء جاء بوصية آخر سلاطين العثمانيين السلطان عبد الحميد الثانى التى كتبها في منفاه بسالونيك، والتى أبلغ مفتى إسطنبول الا يفتحها إلا بعد وفاته.
فيقول عبد الحميد : "بعد إجتماعاتي المتكررة مع تيودور هرتزل أكد لي هرتزل أنه سوف يحصل على فلسطين عاجلا أم آجلاً مهما بعد هذا الاجل، بعد أن رفضت رفضا قاطعا بالرغم من تمنيات مستشاري القبول بذلك العرض من أجل تغطية عجز الدولة العثمانية، وفهمت من هرتزل أن بعد حصوله على فلسطين سوف يسعى للانتقام من العراق، بسبب السبي البابلي الذي قام به نبوخذ نصر حيث قام بسبي اليهود سيرا على الأقدام من فلسطين الى بغداد، بعد أن دمر نبوخذ نصر مملكتهم بسبب مؤامراتهم الدائمة عليه، وفهمت أيضا من هرتزل أنه سوف يسعى الى تدمير مصر إنتقاما من الفراعنة، وسوف يسعى الى تدمير الأهرام لأنها تشكل رمز الإستبداد الفرعوني بحق اليهود"
قد تكون هذه الخاتمة تأكيد على حجم الحقد التاريخي لليهود على مصر، فاليهود الذين دخلوا مصر قديما حفاه رعاة، وخرجوا منها وهم أغبياء قساة، برغم ما شاهدوا من معجزات على يد موسى نبي الله، ولم يكن لخلاصهم من فرعون أن يتم لولا حكمة وحنكة كليم الله، والتي لم يتحصل عليها إلا بنشأته وتعلمه في بيت فرعون وبين المصريين أنفسهم بعيدا عن أسلافه الذين كانوا جميعهم عبيدا عند المصريين، فيقول الكتاب "فَتَهَذَّبَ مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ".
فسياسيا إسرائيل لم يعد أمامها ماتبقى من العرب بعد سقوط العراق وإستنزاف سوريا سوى مصر، وعسكريا جيش مصر هو الجيش المنافس الحقيقي لها في المنطقة، وعقائديا فسيناء التي قال فيها الله لموسى "اخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ" (سفر الخروج3:5) أهم لهم من أي بقعة بالأرض، وجبل موسى أو طور سيناء الأثر الحاضر والشاهد الوحيد على وجود اليهود في التاريخ، أهم لهم من أي هيكل سليماني لم يجدوا له أي أثر حتى الأن، برغم كم عمليات البحث والتنقيب في كل في شبر من فلسطين حتى أسفل المسجد الأقصى نفسه.
فليبيا وإثيوبيا هي ساحة حرب بين مصر وكل أبناء العرق وبلاد الشام معاً، سواء همج جبال ألتاي المسمون بالترك (كما سماهم الصينيون قديما)، أو يهود السبط الثالث عشر الذين يحتلون فلسطين حاليا، وعلى مصر أن تحسم الأمور قبل نوفمبر/ تشرين الثاني القادم (موعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية).