أقلام الثبات
فيما كانت هجمات سايبيريّة تستهدف البنى التحتيّة للمياه في الكيان الإسرائيلي بالأسابيع الأخيرة، والتي مرّت دون ضوضاء، حتى كشفت عنها وسائل اعلام عبريّة، وفي ذروة الهجمات "الغامضة" التي ضربت منشآت حسّاسة في ايران بوقت قياسي، وتوعّد طهران بالرّد القاسي على الدول التي يُثبت تورّطها فيها، قبل ان يُعلن قائد قوّة القدس في الحرس الثوري اسماعيل قاآني وقوف اميركا واسرائيل خلفها، تصدّر حدث عسكري غير مسبوق في العاصمة السورية دمشق واجهة الأحداث الدوليّة الهامّة بالثامن من الجاري، عبر توقيع اتفاقية للتعاون العسكري الشامل بين سورية وايران، حملت رسائل ناريّة غير مسبوقة بوجه واشنطن وتل ابيب، سيّما لناحية تركيز الإتفاقية على تطوير انظمة الدفاع الجويّة السوريّة وسط معلومات كشف عنها مصدر في موقع "ستراتفور" الأميركي المقرّب من الإستخبارات الأميركية، رجّح فيها قرب وصول منظومة "خرداد" المتطوّرة الى سورية، مشيرا الى انه تمّ بالتزامن نصب منظومات صاروخية لم يحدّد ماهيّتها في اماكن استراتيجيّة سوريّة.
إذا ما صحّت معلومات مصدر الموقع بتأمين منظومة "خرداد" المتطوّرة للدفاعات الجوّية السورية، فإننا سنكون فعليا امام تغيير جذري في قواعد الإشتباك مع "اسرائيل" ان في الأجواء السورية او اللبنانية، وخصوصا أنّ المنظومة الإيرانيّة تلك، هي التي أسقطت طائرة الإستطلاع الأميركية فائقة التطوّر "غلوبال هوك" فوق مياه الخليج، وسيّما انّ طهران تعهّدت بموجب الإتفاقية برفد الدفاعات الجوية السوريّة بمنظومات اخرى متطورة جدا "ستغيّر المعادلة كليا في وجه الإعتداءات "الإسرائيلية" المتكررة على الأراضي السورية، فهي قادرة على ملاحقة الطائرات المعادية وضربها وهي خارج الأجواء السورية"- حسبما أجمع خبراء عسكريون ايرانيّون، وفي ذلك رسالة واضحة الى تل ابيب التي تتجنّب مقاتلاتها خرق الأجواء السورية لتنفيذ هجماتها، وشنّها في اغلب الأحيان من الأجواء اللبنانية، منذ واقعة إسقاط طائرة "اف16 الإسرائيلية الشهيرة على ايدي رجال الدفاعات الجوية السورية.
"اسرائيل" التي لم تكد تتلقّف المضامين الناريّة التي حملها توقيع الإتفاقية العسكرية بين طهران ودمشق في هذا التوقيت الحسّاس، ومدى الإرباك الذي أرخى بظلاله على الدوائر الأمنية والسياسية والإستخبارية "الإسرائيلية"-وفق ما ذكرته وسائل الإعلام العبرية، حتى دعا محلّلون وخبراء "اسرائيليون" الى التوقف مليّا امام رسالتَين لا تقلّان خطورة عن رسالة دمشق. الأولى جاءت على لسان قائد قوة القدس في الحرس الثوري الايراني اسماعيل قاآني، والثانية من البوابة اليمنيّة وجّهتها حركة "أنصار الله" حملت تهديدات خطيرة الى تل ابيب ايضا.
قاآني الذي اتهم علانية اميركا و"اسرائيل" بالوقوف وراء الهجمات التي تعرّضت لها منشآت حسّاسة في ايران على مدى الأسبوعَين الماضيَين، والذي علّق على الحريق الضخم الذي حصل في البارجة الأميركية "يو اس اس ريتشارد" في مرفأ سان دييغو الأميركي بقوله" إنّ ما جرى ليس الا البداية، وإنّ اياما صعبة آتية بانتظار اميركا واسرائيل".. بدا وكأنه غمز من قناة"الثأر" للهجمات على المنشآت الإيرانية، وخصوصا أنّ امين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، وسّع في تعليقه على حريق البارجة الأميركية دائرة الثأر الإيراني، وربطه بالرّد على اغتيال اللواء الشهيد قاسم سليماني، عبر قوله" إنّ ثأرنا لسليماني بدأ لكنه لم ينته بعد"!
ومن اليمن وجّهت حركة "انصار الله" بدورها، تهديدات لا تقلّ حدّة الى "اسرائيل"، وجدّدت مرّة اخرى تأكيد الحركة عزم ضرب اهداف"اسرائيلية" حسّاسة. حيث أعلن رئيس هيئة الإستخبارات والإستطلاع في الحركة عبدالله يحيي الحاكم في 12 الجاري، امتلاك بنك من الأهداف الحيويّة في الكيان "الإسرائيلي"، كما في السعودية والإمارات، ملمّحا الى انّ ضرب هذه الأهداف " احتمال وارد جدا"!
ليبرز بوضوح من خلف هذه الرسائل غير المسبوقة التي وُجهت الى تل ابيب في لحظة مفصليّة تعيشها المنطقة، التفاف محور المقاومة على السيناريوهات الخطيرة التي تُحيكها "اسرائيل" والتي باتت في سباق مع الوقت لتنفيذ خططها قُبيل احتمال خروج الرئيس الأميركي دونالد ترامب من البيت الأبيض، سيّما وأنّ العبث "الإسرائيلي" في الملعب الإيراني مؤخرا تجاوز كلّ السقوف والخطوط الحمر، وبعد تلقّف اركان المحور مؤشرات خطيرة تُرسم لسورية ولبنان تزامنا مع سريان عقوبات قانون قيصر الأميركي ضدّ سورية، ورصد اجتماع عُقد في السعودية منتصف الشهر الماضي، ضمّ عددا من ضبّاط الإستخبارات"الإسرائيلية" والسعودية والإماراتية والأميركية، وأفضى الى الإتفاق على تنفيذ اهداف بينها استنزاف القوات السوريّة والروسية في سورية، تتزامن مع هجمات جوية "اسرائيلية" واسعة على الاراضي السورية، واعتماد سيناريو جديد يتجاوز بخطورته السيناريوهات السابقة في لبنان، بهدف فرض معطيات جديدة يكون عنوانها الرئيسي " قلب الطاولة على حزب الله وسلاحه".
وعليه، نُقل عن قائد عسكري ميداني وُصف ب"رفيع المستوى" في سورية، اشارته الى انّ محور المقاومة بات جاهزا "للهجوم" على اي سيناريو معادي ضدّ ايّ ساحة من ساحات المحور، وضمنا سورية ولبنان، وخصوصا انّ توعُّد قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني ب"ايام صعبة آتية بانتظار اميركا و"اسرائيل"، أتى بُعيد اجتماع عالي الأهمية مع قادة محور المقاومة في المنطقة، نتج عنه قرار حاسم وُصف ب"الإستثنائي" وغير المسبوق حيال الفترة المقبلة، " حيث من المحتمل ان تكون ساخنة جدا حتى شهر تشرين الثاني المقبل"- حسب اشارته.
الا انّ اللافت يكمن بعدم استبعاده ان يظهر الرئيس السوري بشار الأسد بالزيّ العسكري، ربطا بإنجاز عسكري "استراتيجي"، وتلميحه الى ترجيح اقتراب مفاجأة "جويّة" تسجّلها الدّفاعات الجوية السورية ردّا على "خرق معادي"، تتجاوز بأهميّتها واقعة إسقاط طائرة "أف 16 الإسرائيلية" في 10 شباط عام 2018 .