مقام النبي موسى ... من أهم المقامات في فلسطين

الأربعاء 15 تموز , 2020 04:48 توقيت بيروت من ذاكرة التاريخ

الثبات ـ من ذاكرة التاريخ

لطالما حظي مقام النبي موسى أهمية تاريخية، فهو مأوى للنساك والمتعبدين منذ الفترة البيزنطية، ويعزز موقعه إمكانية الهجوم والدفاع عما يليها، ويتحكم بشبكة الطرق والدروب التي تعبر إلى الجنوب من فلسطين و إلى جنوب الأردن وغرب شبه الجزيرة العربية، لذلك عرف بـ"درب الحاج".

أنشأ السلطان الظاهر بيبرس مقام النبي موسى، الذي يقع إلى الجنوب من أريحا على بعد (8كم)، ويبعد عن القدس (28كم) باتجاه الشرق، وبني المقام في منطقة منعزلة قليلة الأشجار والأعشاب، كما ويرتفع فوق تلال صخرية كبريتية ورسوبية.

ويعد مقام النبي موسى من أهم المقامات في فلسطين بسبب ضخامة بنائه وشهرته الواسعة، وكان من أهم أسباب بنائه هو إظهار إسلامية صحراء القدس، فقد بُنيّ المقام في الصحراء (الممتدة من البحر الميت) التي اشتهرت بوجود أديرة للنصارى.

وعند زيارة الظاهر بيبرس هذه المنطقة أمر بإنشاء هذا المقام، ليخلد ذكرى النبي موسى عليه السلام وللتذكير برحلة الإسراء والمعراج ومرور سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام على قبر موسى عليه السلام.


ويمتد المقام على مساحة تقارب خمس دونمات، ويشمل ثلاثة طوابق، والتسوية الأرضيّة، ويتوسطه مسجد ضخم مكون من خمس بلاطات، وغرفة ضريح واسعة تحوي القبر وتتوسط بناء المقام، ويحوي المقام مائة غرفة ما بين مفتوحة ومغلقة وتدور حول المسجد -غرفة الضريح- ساحات مركزية تتسع لأعداد كبيرة من الناس.

وترتفع مئذنة متوسطة الارتفاع، وبإمكان الصاعد إليها مراقبة المنطقة المحيطة بها حيث يرى أريحا والبحر الميت وصحراء واسعة ممتدة وجبال شرق الأردن.

ونقش التأسيس هو عبارة عن لوح رخامي على شكل محراب أبعاده (100سم × 92سم) موجود خارج الحائط الشرقي لغرفة الضريح وداخل المسجد، مكتوب بخط نسخ جميل برزت عليه الأحرف، وزينت الكتابة بأوراق نباتية، واحتوى النقش على خمسة عشر سطرًا، السطر الأخير أقل جودة في الخط من الأسطر السابقة وهذا ما نصت عليه الأسطر:

"بسم الله الرحمن الرحيم إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر، أمر بإنشاء هذا المقام الكريم على ضريح موسى الكليم عليه الصلاة والسلام مولانا السلطان الملك الظاهر السيد الأجل العالم العادل المؤيد المظفر المنصور ركن الدنيا والدين السلطان الإسلام والمسلمين سيد الملك والسلاطين، فاتح الأمصار مبيد الفرنج والتتار مقتلع القلاع من أيدي الكفار، وارث الملك سلطان العرب والعجم والترك. اسكندر الزمان صاحب القرآن، ملك البحرين مالك القبلتين خادم الحرمين الشريفين، الآمر ببيعة الخليفين أبو الفتح بيبرس قسيم أمير المؤمنين خلد الله سلطانه وذلك بعد عودة ركابه العزيز من الحج المبرور وتوجهه لزيارة القدس الشريف تقبل الله منه في نيابة عبده ووليه الأمير الكبير المثاغر جمال الدين أقوش النجيي كافل المماليك الشامية أعزه الله، في شهور ثمان وستين وستمائة للهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة، بولاية العبد الفقير الى الله تعالى محمد بن رحال عفا الله عنه".

وأشارت المصادر التاريخية إلى الإضافات والزيادات التي تمت على بناء المسجد بعد الظاهر بيبرس، فقد تم بناء غرفة أخرى للمسجد الشرقي، وغرف للسكن والخدمات من إسطبلات ومرافق ضرورية لانتفاع الزوار بها عند المكوث لسبعة أيام.

وتاريخ هذه الزيادات وحجمها وماهيتها غير واضحة، ولكنها بعد عهد الظاهر بيبرس وقبل سنة (875هـ/ 1470م) وهي السنة التي بدأت فيها عمليات الترميم وإعمار شاملة للمقام، أما ماهية الزيادات فهي مما ينتفع به كالمطابخ، والآبار، وغرف السكن والإسطبلات، والفرن.


وذكر السيوطي (911هـ/ 1505م) أنه تم بناء قبة فقط في المقام، ولم يشر لبناء مسجد في عهد الظاهر بيبرس فيقول: "وعلى هذا القبر الشريف قبة مبنية بناها الملك الظاهر بيبرس رحمه الله بعد ستين وستمائة"، وقد يُعذر السيوطي في ظنه هذا؛ لأنه عاصر عملية توسيع مسجد النبي موسى وإنشاء المئذنة سنة (875هـ/1470م -885هـ/1480 م) فظن أنه لم يكن للمسجد أساس وأن عملية توسيعه هي تأسيسه.


وقد ظلت الشعائر والاحتفالات الدينية تقام في موقع مقام النبي موسى منذ التحرير الأيوبي للقدس رغم أن بريطانيا حاولت إلغاء هذه المناسبة فقد كانت وفود القرى والمدن تتسابق وتتنافس في الوصول إلى القدس ثم الخروج إلى مقام النبي موسى والعودة منه.

وبعد عام 1948م توقفت الاحتفالات مؤقتا بسبب إحتلال الكيان الصهيوني للاراضي الفلسطينية، ثم عادت مرة أخرى في الخمسينيات وحتى حرب حزيران عام 1967 حين قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بمنع هذه الاحتفالات الدينية الإسلامية، إلى أن تم توقيع "اتفاقية اوسلو" التي احتوت على بند خاص ينص على إعادة إقامة وتنظيم الاحتفالات في موقع النبي موسى.

وبعد قدوم السلطة الفلسطينية إلى منطقة أريحا عام 1994م سمحت سلطات الاحتلال للفلسطينيين باستخدام ممر ضيق لموقع المقام.

ورغم الوجود العسكري الإسرائيلي المكثف في المناطق القريبة من المقام، والمعلنة إسرائيليا مناطق عسكرية ومناطق تدريب- تداعت مؤسسات أهلية ورسمية لإحياء موسم النبي موسى كما كان يحدث منذ تحرير القدس على يد صلاح الدين الأيوبي قبل 900 عام، ولكنها بقيت احتفالات متواضعة، لم تأخذ الطابع الوطني الجماهيري، ولم يكن فيها مواكب تأتى من المدن وتتجمع في القدس وتسير نحو موقع المقام؛ بسبب حصار القدس ومنع الفلسطينيين من دخولها، ولم يباتوا أياما في المقام كما كان يحدث سابقًا، ولكنه كان تعبيرًا رمزيًا عن التمسك بإحياء احتفالات النبي موسى.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل