أقلام الثبات
بعيداً عن الخطابات، نتلمَّس الواقع ونتذكَّر، أن البطريرك الراعي قال عندما كان مطراناً على جبيل: "المسيحيون في لبنان باتوا إما مسيحيين شيعة أو مسيحيين سُنَّة"، في إشارة منه ربما الى اصطفافهم السياسي، لكن المطران / البطريرك تناسى وما زال، أن المسيحيين في لبنان يبحثون في الدين والسياسة عن راعٍ يجمعهم ولكن للأسف، بكركي التي أعطي لها يوماً مجد لبنان، باتت عاجزة حتى عن جمع القيادات السياسية المسيحية، لأنها ما كانت يوماً عنصر جمعٍ لهم، والرؤية البعيدة لمستقبلهم في لبنان والمشرق ليست ثاقبة، والصلاة غير كافية لحمايتهم في شرقٍ تعبث فيه الأدوات الصهيونية وشياطين التكفير.
من كنيسة القيامة في القدس التي باتت حجراً بلا بشر، الى حجارة آيا صوفيا التي تحوَّلت من كنيسة الى مسجد منذ أيام، نتلمَّس نحن أبناء المسيح واقعنا، ولسنا نحتاج خطابات وعِظات لنستشعر واقعنا، والمطالبة بالحياد التي اجترحها البطريرك الراعي مؤخراً ليست سوى استهلاك كلامي ورفع مسؤولية عن المتاعب والمصاعب التي يواجهها المسيحيون في أنطاكيا وسائر المشرق.
لن نعود بالتاريخ الى الوراء، منذ "بطريرك الرؤية الواقعية" أنطون سعادة وصولاً الى "بطريرك الواقع الحقيقي" ميشال عون، وكلاهما استشعر مخاطر قيام دويلات مسيحية وحاول إرساء فكر الدمج المجتمعي مع المسلمين، لكن الغرب المُلحِد حساباته مغايرة، وخطط تهجير المسيحيين كانت متداولة دائماً في الغرف السوداء، لكننا بفضل فكر أمثال أنطون سعادة وميشال عون في الإندماج دون ذوبان، هو عامل الصمود الواقعي بعيداً عن أوهام الحياد في وطنٍ كلبنان محكوم بديكتاتورية الجغرافيا وليست له حدود مع سويسرا مثلاً لتكون له حرية هكذا حياد.
وقبل أن ينتشي البطريرك الراعي بنظرية التنظير في الحياد، وبهجته من "الإجماع اللبناني" حولها كما يدَّعي، نتساءل: هل أن سعد الحريري وفؤاد السنيورة وأشرف ريفي يمثلون شارعهم السنِّي أولاً كي تكون مباركتهم لمهزلة "الحياد البطريركي" ذات قيمة؟ وهل أن حقد "القوات" على المقاومة كافٍ لأن يُلزِم المسيحيين في لبنان بهكذا حياد وهمي، وهل أن مواقف "الكانتوني وليد جنبلاط" تختصر تطلعات أبناء الجبل قبل أن تكون ذات قيمة على مستوى الوطن؟!
البطريرك الراعي لم يأتِ بجديد على مستوى حياد بكركي عن هموم مسيحيي المشرق عامة ولبنان خاصة، فهي على مستوى المصير الأسود لمسيحيي فلسطين وسوريا والعراق، الذين هُجِّروا من بلدانهم - مع تفاوت الأسباب - كانت مُحايدة، ولم تكن بكركي أكثر من "شاهد ما شفش حاجة" على مآسيهم، والزيارات السندبادية للبطريرك الراعي الى بلدان الإغتراب سياحية أكثر منها رعوية فاعلة، فلا دعواته للمغتربين بالعودة أعادت مغترباً واحداً، ولا عظاته في الداخل شجَّعت مَن يرغب بالهجرة على البقاء، لأن الأديرة وما يحيطها من أرزاق وأطيان لم تؤمِّن لأي شاب مسيحي مشروعاً إسكانياً يستحق الذكر، ولا مشاريع إنتاجية في الأرياف تُشجِّع الشباب على البقاء في أرضهم، ولا أماناً وجودياً دون أن يندمج المسيحي مع بيئته المختلطة ليُصارع من أجل البقاء، وما على البطريرك الراعي سوى مراجعة البرامج الإنتخابية للطامحين الى عضوية الرابطة المارونية لتقييم جدوى الإستثمار في هكذا جمعيات ارستقراطية لم تُلامس يوماً واقع الناس!
الحياد...، الحياد يا غبطة البطريرك، لا في لبنان يحمي المسيحيين ولا في سائر المشرق أعاد إليهم أديرة وكنائس معلولا، ولا قُراهم في حلب وسهل نينوى، وحياد لبنان الذي تُطالبون به مشروع غربي للنيل من قوة لبنان، وما عليكم سوى اجتراح أعجوبة تنقل لبنان جغرافياً من الشرق الأوسط الى الغرب وإعلان الحياد، لكن زمن العجائب قد انتهى...
حياد الراعي عن الرعايا التائهة! ـ أمين أبوراشد
الأربعاء 15 تموز , 2020 08:38 توقيت بيروت
أقلام الثبات
مقالات وأخبار مرتبطة