أقلام الثبات
عشية الزيارة الخاطفة لقائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال كينيث ماكنزي إلى لبنان وخلالها , كانت لا تزال اصداء تصريحات السفيرة الأميركية دوروثي شيا الهادفة إلى بث الفتن بين المكونات اللبنانية تتفاعل , مع حملة إعلامية واسعة ضد التوجه شرقا. هذا التوجه , باعتباره أحد السبل لتخفيف الضغط الاميركي على لبنان , وفك القبضة الاميركية عن عنق اللبنانيين بهدف تجويعهم، كما يرى فيه خبراء اقتصاد ومال مرموقين, احد السبل للمساهمة با حتواء الاختناق بالمجاعة قبل حلولها , وهو الامر الذي الذي اغاظ الاميركيين, خوفا على نظام النهب المالي والاقتصادي الذي يرعونه , وهو النظام الذي يريد قهر الشعب اللبناني على كل المستويات, لتستفيد حفنة الى جانب نظام النهب المصرفي الذي طالما تغنى به القيمون عليه .
لقد واكب وتلا زيارة ماكنزي حملة اخرى على انقاض الحملة الفتنوية , والتي اعدمت في مهدها , وقد فهم الاميركيون ذلك وتيقنوا من فشل سعيهم مباشرة وعبر ادوات تهلهلت , بعدم امكانية اسقاطهم للحكومة , والاتيان بشخص يبصم لهم على "العمياني",وان الفتنة التي ارادوها افشلتها سعة الصدر لدى القوى الحريصة على عدم جر لبنان الى حيث تريد اميركا وربيبتها "اسرائيل".
الحملة المستجدة - القديمة ايضا , تحت عنوان الحياد ,وكأن لبنان لا يتعرض لتهديدات يومية من جانب الكيان الصهيوني الذي لا يمر يوم الا ويخرج احد قادته بالوعيد والتهديد, وهو ما لخصه ماكينزي عند سؤاله عن دور الولايات المتحدة في حماية لبنان بوجه التغول الاسرائيلي بالقول "من الواضح ان لاسرائيل مصالح امنية مشروعة ,ونتطلع الى ان لا يكون اي تهديد لاسرائيل".
الكلام الاميركي ,ليس جديدا , لا في شكله ولا في مضمونه , انما يأتي قبيل التجديد للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان وسط سعي اميركي , وبعض اوروبي لتعديل جوهري في عمل "اليونيفيل"والمهام الموكولة لها, بناء على طلب اسرائيلي ,قوامه دخول القوات الدولية الى اي مكان او موقع تريده في البلدات والقرى الجنوبية , من دون تنسيق مع الجيش اللبناني , اي بمعنى تشريع استباحة اي مكان في لبنان , مع وعيد واضح بوقف تمويل تلك القوات التي أخذ بعضها على عاتقه ان يكون عيونا واذانا اسرائيلية في القرى اللبنانية,وهو ما كان الاهالي يتصدون له ، مضافا الى ذلك محاولة دق اسفين بين السلطة السياسية والجيش اللبناني من جهة، والمقاومة من جهة ثانية، وهذا الامر عبر عنه صراحة الجنرال ماكنزي .
لقد كان واضحا ذاك المتحدث في الخارجية الاميركية, ,بان الهدف هو تكبيل لبنان على كل المستويات لصالح اسرائيل , عندما اعلن بوقاحة تماهت مع اعلان ماكنزي , بأن بلاده "قلقة جدا", من منع اليونيفيل الدخول الى مواقعى مثيرة للشكوك , ولذلك فان واشنطن تعيد النظر في موقفها من القوات الدولية , ليصل الى خلاصة حرفية,,"معا يجب ان نعالج التهديد الذي تشكله إعادة تسليح حزب الله", وبالطبع مع تجاهل تام من جانبه وادارته اصلا للإعتداءات الاسرائيلية اليومية ان عبر خطف رعاة الماشية , او خرق الحدود , الى انتهاك الاجواء اللبنانية مرارا لشن اعتداءات على سورية .
ان النشاط الاميركي الانف الذكر ,معطوف على دعوات واشنطن نفسها لحياد لبنان عن القضايا الاقليمية , هو في جوهره تخل عن السيادة اللبنانية ويدرك ذلك المطبلون الداخليون في لبنان للحياد، إضافة طبعاً إلى السكوت عن الاعتداءات الاسرائيلية , وهذا ما هو حاصل اصلا , وبالتالي فان هذا التخلي مطلوب في البرنامج الاميركي , وله فائدة يستثمر عليها الاعداء والخصوم لتحويل هذا الحياد الى كرة ثلج ينصرف الملتصقون بها الى مواجهة مع المقاومة حين تأتي الاشارة من الراعي حين يرى ان الطبخة نضجت وآن اوان الميدان .
ويستهجن دبلوماسي غربي امكن الحديث معه , كيف ان مسؤولين لبنانيين يتحدثون عن الحياد , وهم اصلا متموضعون في صلب مشروع لا علاقة للبنان بتكوينه , وهو المشروع الذي اغرق البلاد والعباد في ازمات سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية , ويسأل الدبلوماسي الذي يكن ودا للبنان , كيف يمكن لمتعاطي بالشأن العام ان يقول بالنأي بالنفس , وهو لا ينأى , بل يتعمد الى جر من يتمكن الى اتون التبعية والوصاية , ويتحدث في الوقت نفسه عن العفاف والطهارة والسيادة والاستقلال .
وفي هذا السياق تواصل سفيرة الولايات المتحدة جولاتها للملمة ايتام المشروع , وتترك لهم التصريح بان حزب الله اذا استمر بعمله سيودي بلبنان الى الخراب, مع طرح بديل وان بخجل احيانا , بالخضوع الى الاملاءات الاميركية والخليجية , وطبعا الاسرائيلية , مع الطلب من هؤلاء تكثيف الحملة على اي بديل ممكن وضمنا التوجه نحو الدول التي يمكن ان تساعد لبنان من دون موافقة اميركية .والا فان الوضع الاقتصادي والمالي لن يحل وستزيد وطأته اذا كان التوجه شرقا , بات ضمن الخطط اللبنانية ,الا ان السفيرة سمعت كلاما لم يعجبها في مقام رسمي عندما ارادت التيقن من التوجه نحو الصين او ايران او روسيا فقيل لها صراحة , انتم تحاصروننا , وتتدخلون بكل شاردة وواردة , وتحاولون إملاء سياسة خارجية وداخلية علينا , ونحن لا نريد التخلي عن علاقاتنا مع الغرب , ولكن هل من المعقول ان نترك شعبنا يجوع ,وقد فهمت السفيرة ان هناك خمس اتفاقيات باتت جاهزة للتوقيع مع الصين , بينها واحدة تؤمن 50 الف فرصة عمل ,وان زيادة الضغط , وهو متوقع وضمن الحسابات اللبنانية , لن تثني الدولة عن البحث في ايجاد يدائل , وان ضاعت بعض الجهود مع دول عربية سدى,بعد ان منعت ضغوط واشنطن على تلك الدول ,تحقيق مراميها المالية والاقتصادية , رغم اعلانات ايجابية بداية سرعان ما جرى نفيها .
ان الكباش مستمر، ولا يبدو ان الكلام الاميركي بالحرص على لبنان الا محاولات لذر الرماد في العيون , وما التلاعب بالدولار الا احد المقاييس التي تلدغ كل لبناني , ولقد تكوّنت قناعة راسخة لدى غالبية المسؤولين ان الاميركيين وادواتهم المحليين بان ضغوطهم وحملاتهم المضللة في مضامينها يمكن ان تسقط امام جدار الصمود , سيما ان لبنان اصبح امام الجدار الاخير , وان موازين القوى لا يقاس بالقوة والقوى العسكرية لاميركا واسرائيل .بل في ارادة المواجهة لمشاريع تخريب لبنان , والعدوان عليه , وبكل الاحوال فان الولايات المتحدة هي الان تحت الاختبار اللبناني , بعد ان استنفذت اختباراتها على لبنان واللبنانيين.