أقلام الثبات
كان اللقاء الذي عقدته السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيّا مع الرئيس حسان دياب إيجابيًا، سرت بعده أجواء تفاؤلية تراهن على تحسّن العلاقة بين الطرفين الأميركي واللبناني الممثل بحكومة حسان دياب، خصوصاً بعدما عبّر دياب عن هذه الإيجابية بالقول إن السفيرة شيّا "أبدت كل استعداد لمساعدة لبنان في مجالات مختلفة".
وكانت بعض التقارير الإعلامية قد نقلت عن مصادر الرئيس برّي أن لقاءه مع السفيرة شيّا كان جيدًا، وأنها ابلغته استعداد واشنطن لإستثناء لبنان من العقوبات المفروضة على سوريا مع بدء تطبيق "قانون قيصر"، وأنها تنتظر لائحة الاستثناءات التي تعدّها الحكومة في هذا الشأن.
واقعيًا، لقد بالغ بعض اللبنانيين من قوى 14 آذار وبعض أركان "ثورة 17 تشرين" في المراهنة على ما يمكن أن تصل إليه السياسة الأميركية في ممارسة "الضغوط القصوى" على لبنان، وبالغوا في العداء مع المكوّنات اللبنانية الأخرى، متوهمين أن الأميركيين سيأتون بالأساطيل الى السواحل اللبنانية لإخراج عناصر حزب الله خارج لبنان كما حصل عام 1982 خلال الاجتياح الاسرائيلي للبنان، والذي أفضى الى إخراج ياسر عرفات والمقاتلين الفلسطييين (هذا السيناريو كتبه على وسائل التواصل الاجتماعي أحد صقور 14 آذار).
ما لم يفهمه بعض اللبنانيين، أن السياسة الدولية تتخد بناءً على حسابات عقلانية، تأخذ بعين الاعتبار حسابات الربح والخسارة، فيعمد صاحب القرار العقلاني الى احتساب الأرباح النسبية، وبالتالي يختار الخيارات الأكثر ربحًا والأقل كلفة، ومن الصعب أن تذهب خيارات الدول الكبرى نحو سياسيات ذات نتيجة صفرية، أي أما تربح كل شي أو تخسر كل شي.
لا يسير الأميركيون بسياسة صفرية في لبنان، فهم وانطلاقًا من واقعيتهم والبراغماتية التي يتحلون بها، يدركون أن عليهم أن يتعايشوا مع نفوذ واقعي إيراني في كل من العراق ولبنان، وبالتالي هم يمارسون سياسة الضغوط القصوى لتغيير سلوك إيران و/أو حلفائها، أو للحصول على تنازلات تعيد موازين القوى الى ما قبل عام 2018 في كلا البلدين. وبالتالي، المعادلة تتجلى في أنهم غير مستعدين للتخلي عن لبنان، ومدركين عدم قدرتهم على احتكار النفوذ كليًا في لبنان.
لماذا لا يتخلى الأميركيون عن لبنان؟
بداية، لأن لبنان يتواجد جغرافيًا في منطقة تسمى "قوس الأزمات" وهي المنطقة الممتدة من إيران إلى لبنان. ونظرية قوس الأزمات تعني المنطقة الجغرافية المحكومة دائمًا بالأزمات بسبب وقوعها في منطقة تنازع نفوذ قوى كبرى، ولعل الأصعب حين تكون تلك المنطقة واقعة في منطقة تجاذب نفوذ بين قوى بحرية كبرى وقوى برية كبرى. وتختلف منطقة قوس الأزمات عن المناطق الاستراتيجية الأخرى، بأن الدول الصغيرة في هذا القوس لها أهميتها، فانتقال دولة - مهما كان حجمها وأهميتها- من محور نفوذ إلى محور آخر، يستطيع أن يعدّل في موازين القوى القائمة، لذا تكون كل الدول في هذا القوس محورية في الصراع ولا تعتبر هامشية مهما صغرت جغرافيتها.
وهكذا، إن وجود لبنان في منطقة قوس الأزمات يجعله ذا أهمية مضاعفة بالرغم من صغر حجمه. زد على ذلك، أن المرحلة هي مرحلة صراع كبير في المنطقة يعتمد فيها سياسة الضغوط الأقصى وتستخدم فيها كل أدوات القتال من عسكرية واقتصادية وتكنولوجية واستخباراتية... وعليه، ليس من السهولة بمكان أن تتخلى أي دولة من الدول التي تشكّل طرفي قوس الأزمات عن نفوذها في لبنان، وهو ما ندفع ثمنه غاليًا من ناحية، ويعطينا دفعًا إيجابيًا لأن سقوطنا مكلف للأطراف المتحاربة من ناحية أخرى.