أقلام الثبات
منذ نحو شهر، بدأ عملياً تطبيق "قانون قيصر الأميركي"، لإضفاء المزيد من الضغوط، وتحديداً الاقتصادية والمعيشية، على الشعب السوري، في محاولةٍ لتأليبه على دولته وقيادتها، علَّ أن تحقق واشنطن، من خلال ذلك، ما عجزت أن تحققه بالحرب في سورية في الأعوام التسعة الفائتة، وقبلها بالحصار الاقتصادي في ثمانينيات القرن الفائت، لدفعها إلى التخلي عن دعم حركات المقاومة، خصوصاً في لبنان وفلسطين، وفك ارتباطها مع إيران، لمنع تشكيل محور المقاومة الممتد من طهران مروراً بالعراق وسورية، وصولاً الى بيروت. ودفعها أيضاً الى تقديم تنازلات في أي تسوية سياسة مرتقبة، لإنهاء الأزمة الراهنة، تتناسب مع مصالح واشنطن وتل أبيب في المنطقة، بحسب مصادر سياسية لبنانية متابعة. وتعتبر أن دمشق التي اعتاد الاقتصاد الحربي على مدى أعوام في "الثمانينيات"، وفي الحرب الكونية عليها، منذ بدايات العقد الراهن، قد تتجاوز، مفاعيل "قيصر"، ولو اتبعت المزيد من السياسة التقشفية، على حد قولها. بالإضافة الى عامل وجود التعاون الروسي – السوري – الإيراني، لتخطي الضغوط الاقتصادية الأميركية على الجارة الأقرب، خصوصاً بعد الانتشار الروسي الكبير ، على امتداد الساحل السوري، الذي يتخطى الأبعاد العسكرية، ودائماً برأي المصادر. وترجح أن يسهم هذا الانتشار في تخفيف الضغوط المذكورة، من الدخول في التفاصيل.
في المقابل، تلفت مصادر في المعارضة السورية إلى أن الأمر المستجد، الذي قد يحققه "قانون قيصر"، هو أن العقوبات الأميركية، ستطال القطاع الخاص، تحديداً كل الشركات التي تعمل في مجالي الطاقة، وإعادة الإعمار، والاثنين معاً في قبضة الحكومة السورية، بحسب تأكيد المصادر.
وتجزم أن كل شركة، ستدخل على خط هذين المجالين، ستتعرض للعقوبات الأميركية، لامحالة. وتشير المصادر المعارضة إلى أن سورية تعاني أزمة اقتصادية ومعيشية حادةٍ، جراء التراجع في إنتاج محاصيل القمح. بالإضافة إلى فقدان عدد من أنواع الأدوية. والارتفاع الحاد في سعر صرف الدولار، مقابل الليرة السورية. وتوضح أن الشركات المصدرة للسلع الإستهلاكية الأساسية إلى سورية، هي شركات خاصة، بغالبيتها روسية وإيرانية، وعادة تستوفي مستحقاتها بالدولار الأميركي، وهي عرضة لمزيد من العقوبات الأميركية، بالتالي فإن أي محاولة التفاف عليها، سيتطلب ذلك جهوداً مضاعفة من هذه الشركات، لإيصال السلع المطلوبة إلى المستهلك السوري، وسيؤدي ذلك الى ارتفاع أسعارها. وترجح المصادر عينها، أن تستغل موسكو هذه الظروف ، لتوسيع نفوذها على ساحل المتوسط، عبر البوابة السورية، بالتالي بسط سيطرتها على مرفأ اللاذقية، بعد مرفأ طرطوس، على حد تعبيرها.
ويختم المصدر بالقول: "لقد تحولت إلى معسكر ضخم، للتحالف السوري – الروسي – الإيراني، وقد يؤدي "قيصر" إلى المزيد من تعميق هذا التحالف، والتعاون العسكري، بين أطراف هذا التحالف".
وفي هذا السياق، يعتبر باحث في العلاقات الدولية أن "قانون قيصر" دعائي أكثر ما يكون فعلياً، خصوصاً أن الولايات المتحدة، تعاني أزمة اقتصادية، بالتالي سيؤدي ذلك إلى تخفيف وطأة ضغوطها الخارجية في شكلٍ عام. كذلك سيؤثر ذلك سلباً، على جذب الشركات التجارية والاستثمارات الخارجية اليها، في هذه الظروف الراهنة. وتوقع الباحث أن يسهم الانتشار العسكري الروسي على الساحل السوري، في إقامة منشآت، أشبه بمناطق حرة، للتخفيف من الأعباء الاقتصادية عن كاهل الشعب السوري، يختم الباحث.
ولكن روسيا ليس بوسعها المغامرة كثيراً في مسألة الالتفاف على "قيصر"، لأنها بذلك تعرض شركاتها التجارية الكبرى للعقوبات الأميركية، ما قد يعرضها لشللِ عام في العالم بأسره، خصوصاً أن سوق الطاقة في العالم مربوط بالدولار الأميركي. أما بالنسبة للشركات الإيرانية، فالأمر مختلف، وهي المخوّلة أكثر، تأدية دور الالتفاف على "القيصر"، كونها خاصعة للعقوبات أساساً. ولأن هذا القانون يستهدف قطاعي النفط و إعادة الإعمار، ما يؤشر إلى أن الوجود الأميركي في الشمال السوري، هو للحصول على حصة في الإعمار أو محاولة الحصول على استثمارات في مجال الطاقة في سورية. فالولايات المتحدة لديها مصالح اقتصادية في سورية، وعند تحقيق هذه المصالح، قد ترفع العقوبات.