أقلام الثبات
من سخرية القدر أن يُقرّ الرئيس دونالد ترامب تطبيق ما يُسمَّى "قانون قيصر" لحماية المدنيين في سورية، وحكومته تخوض أشرس حربٍ عنصرية ضد المدنيين الأميركيين. أما وأن اليوم الأربعاء يبدأ التنفيذ الفعلي لهذا القانون، فإن لبنان سيكون دافع الأثمان الأول في سياسة الحصار والعقوبات المفروضة، وهو المطلوب منه أن يُقيِّد كل حركة تبادل تجاري أو تنموي مع الجارة العربية الوحيدة بدل أن يكون منصَّة إعادة الإعمار فيها.
يأتي هذا القانون وسط قصُورٍ في الرؤية لدى فريقٍ من اللبنانين، لا بل هو قصورٌ في الإنتماء الوطني الى حدود العمالة، وكأن "حبل السُّرَّة" مع أميركا والغرب بمنزلة القضاء والقدر علينا، علماً بأن حبل خلاصنا يمتدُّ من روسيا الى الصين، قبل أن نوغِل أكثر فأكثر في الإنحدار الى هاوية الإفلاس والجوع، نتيجة ارتهاننا للدولار الأميركي الذي مَسَح الأرض بالليرة اللبنانية.
"قانون قيصر" وَصَل، ونحن محكومون خارجياً بقياصرة الرأسمال العالمي، وداخلياً بقياصرة الإقطاع السياسي وأمراء الحرب والنهب والسرقة والفساد، بالتزامن مع الدعوة الموجَّهة للقاء الوطني الثالث في رحاب القصر الجمهوري بعد أسبوع برعاية الرئيس عون، وبعد عدة تصريحات من رئيس الحكومة / رجل الدولة الدكتور حسان دياب بوجوب الفصل بين السياسة ولقمة الناس، وبعد الإطلالات الرؤيوية المُتكررة لسماحة السيد حسن نصرالله، والتي كانت آخرها مساء أمس الثلاثاء، وحملت كالعادة تحذيرات من المخاطر المقبلة وتطمينات بأننا أقوياء في المواجهة شرط أن نبلغ سن الرشد ونخلع عنا رداء القاصرين!
بكل بساطة نقرأ واقعنا، لأن ما يجمع بين الخطابات المسؤولة لرئيسي الجمهورية والحكومة وقائد المقاومة، أن الرئيس حسان دياب يدفع كما الرئيس ميشال عون ثمن إنتماء لبنان لمحور المقاومة، خصوصاً في المرحلة الأصعب والأخطر التي تفصلنا عن الإنتخابات الأميركية، التي لن يوفِّر فيها دونالد ترامب فرصة لإثبات ذاته خارجياً، سواء عبر "قانون قيصر"، أو سائر العقوبات التي اعتمدتها وسوف تعتمدها الإدارة الأميركية، ولا بُدَّ من التنبُّه إلى أن الشارع المطلبي اللبناني، تمتطيه أدوات لرموز الحقد على المقاومة وعلى الرئيس دياب وعلى العهد بالدرجة الأولى كونه حليف المقاومة، بحيث بات دياب وسيبقى إستفزازياً بنظر الذين يعتبرون السراي ملكية متوارثة لآل الحريري.
ونرى في الكوارث الإقتصادية والمالية والأمنية التي تحلُّ بنا منذ 17 تشرين الأول، حلقات من الحرب الناعمة التي تُمارسها علينا أميركا على "الطريقة الفنزويلية"، والتي نختصرها بكلمة "تجويع" طالما أن لبنان متمسِّك بسلاح المقاومة، وهذه الحرب مستمرة حالياً بأساليب أشرس، لأنها مصلحة أميركية بالدرجة الأولى، أولاً لتغطية خيبة أميركا في مواجهة وباء كورونا، وثانياً للهروب الى الأمام في مسألة مواجهة العنف في الداخل الأميركي الذي أشعله قتل المواطن الأسود جورج فلويد، وثالثاً وهو الأبرز، تمرير الحلقة الأولى من "صفقة القرن" عبر تهشيم الضفة الغربية ومدّ يد الإحتلال إلى غور الأردن ليقطفها ترامب إنتخابياً، وكل هذه الفوضى التي تنال الساحة اللبنانية النصيب الأكبر منها، لها أدواتها السياسية والأمنية لمحاولة إسقاط حكومة دياب وزرع "الفوضى الخلَّاقة"، ولا شيء يمنع من تكرار ما حصل ليلة السبت الشيطاني من محاولة قلب الطاولة على رأس السلطة في لبنان من جماعات "غرف البنيان الأسود" كما وصَّفها الرئيس دياب.
لهذه الجماعات نقول: سواء جاءت حمولة باصات "الثوار" بجماعات بهاء الدين الحريري "فرع أشرف ريفي-طرابلس" أو من بيروت "فرع نبيل الحلبي - طريق الجديدة"، فإن الحابل قد اختلط بالنابل في "الوسط السوليديري"، لأن لغة الشارع التي يعتمدها كلُّ من "الحريري أخوان" كان من الطبيعي أن تستجلب الشارع الآخر، والبادىء أظلم، عندما لا يحلو لِمَن يحملون الجوع قميص عثمان سوى استفزاز الخندق الغميق، في محاولاتٍ لخلق صدامات مجانية تماماً مثلما حصل على "جبهة عين الرمانة - الشياح"، وعسى القٌصَّار يتعِظون..