الثبات ـ من ذاكرة التاريخ
كان للرئيس أديب الشيشكلي شقيق نقيب في الجيش اسمه صلاح الشيشكلي وحاول في إحدى المرات التطاول على عمل القضاة وأن يتدخل فيه لمصلحة صديق له ... فماذا حدث ؟
يقول القاضي علي الطنطاوي الذي كان قاضي دمشق الممتاز عندما حدثت معهُ القصة: لقد عملت في القضاء أكثر من ربع قرن فما تدخل يوماً في قضائي رئيس ولا وزير، ولا نائب من النواب، ولافتحت لصديق أو قريب باب التدخل فيه، وقد وقع لي مرة واحدة على عهد رياسة الشيشكلي أن هتف بي أخوه يوماً، يوصيني برجل له دعوى عندي، فحاولت افهامه بالحُسنى أنني لا أقبل وساطة ، ولا تدخل في دعوى من غير طرفيها أو المحامين فيها، فحسب لطفي ضعفاً، وجرب تخويفي بالرئيس الذي هو أخوه، فثار بي الغضب فأغلظت له القول، وأغلقت الهاتف من غير سلام.
وذهبت بفوري الى الوزارة وأعلنت لهم استقالتي، وأني سأعلن أسباب استقالتي على الناس، وكان الأمين العام للوزارة (وكيلها) صديقاً للرئيس الشيشكلي، فلم أكد أعود إلى مكتبي حتى اتصل علي أخو الرئيس مرة أخرى، فهممت أن أقطع المخابرة فإذا هو يبادرني بالاعتذار، ويطلب أن أعتبر الأمر كأن لم يكن، وفهمت من بعد أن الأمين العام، أي وكيل الوزارة، رفع الأمر فوراً إلى الشيشكلي، وكان الشيشكلي رجلاً عاقلاً يعلم معنى حياد القضاء وأثر تدخل أحد بقراره، فلام أخاه لوماً شديداً وألزمه أن يعتذر إلي فوراً .
أما الصورة فهي للقاضي علي الطنطاوي الذي لم يقتصر دوره على العمل القانوني فحسب بل كان أديباً وفقيهاً ومشرعاً حيث وضع بنفسه قانون الأحوال الشخصية الذي بقي معمولاً به حتى أيامنا هذه مع بعض التعديلات.
المصدر: وكالات