قراءة في مقالة السفير يوسف العتيبة ـ رامز مصطفى

الإثنين 15 حزيران , 2020 12:03 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

" المكتوب يعرف من عنوانه " ، مثل عربي ينطبق على مقالة سفير الامارات العربية في واشنطن يوسف العتيبة ، والتي نشرتها  صحيفة " يديعوت أحرونوت " العبرية ، وحملت عنوان " إما الضم أو التطبيع " .

في قراءة متأنية لما نشرته الصحيفة العبرية ، للنصف العلوي من الصفحة الثانية من المقالة المذكورة . ومن دون المبالغة بالتوصيفات والنعوت التي لا تغني ولا تسمن ، بل على العكس قد تثير حفيظة من لا نحملهم وزرّ ما ذهبّ إليه السفير العتيبة ، وهو في المناسبة من المتحمسين للتطبيع وإقامة العلاقات مع كيان الاحتلال الصهيوني ، والذي تربطه بسفيره في واشنطن " رون دريمير " علاقات وثيقة . كما أنه واحد من بين ثلاثة سفراء كان حاضراً حفل الإعلان عن " صفقة القرن " في كانون الثاني 2020 ، في البيت الأبيض ، التي تُشرع أصلاً عمليات الضم ، التي طالب السفير الأميركي في الكيان " فريدمان " ، ضرورة الإسراع بالضم وعدم انتظار شهر تموز للبدء به .       

  1. المقالة لا تعبر عن كاتبها ، وإنما عن الدولة التي هو سفيرها ، أي دولة الإمارات المتحدة ، التي لا تخفي علاقات التطبيع مع الكيان الصهيوني . وليس أخرها الطائرة الإماراتية التي هبطت في مطار " بن غوريون " ، بحجة نقل مواد وتجهيزات طبية للسلطة الفلسطينية ، التي نفت علمها بالموضوع . ليتبين فيما بعد وعلى ذمة مصادر إعلامية ، أن الطائرة المذكورة كانت في مهمة نقل أسلحة وذخائر صهيونية لأحد طرفي النزاع في ليبيا .     
  2. بحسب " قناة 13 " التلفزيونية العبرية ، المقالة جاءت ثمرة لحوار مشترك امتد إلى عشرة أيام متواصلة ، بين السفير العتيبة ومسؤولين أميركيين وصهاينة .
  3. قبل نشر المقالة ، تمت استشارة المنتج " حاييم سابان " ، وهو مُستثمر صهيوني مقيم في الولايات المتحدة ، والذي تربطه صداقة مع العتيبة ، حول كيفية نشر المقالة . الذي بدوره أشار عليه أن المقالة ، إذا كان الهدف إيصالها لجمهور المستوطنين ، أولاً ، يجب أن تكون باللغة العبرية ، وثانياً ، تنشر في وسيلة إعلامية صهيونية . وهذا ما حصل ، عندما اتصل " موشيه ديبي " المستشار الإعلامي للمنتج " حاييم سابان " ، بمحرر صحيفة " يديعوت أحرونوت " في واشنطن ، وأبلغه عن المقالة وأهمية نشرها ، حيث كان له ما أراد ، بعد أن خضعت المقالة إلى تغييرت في الصياغة عدة مرات .
  4. المضمون الذي حملته المقالة ، يتناقض ويتعارض مع ما تسمى ب" مبادرة السلام العربية " ، التي أقرتها القمة العربية في بيروت العام 2002 . ويعد تراجعاً فاضحاً عما تضمنته تلك المبادرة ، من قيام دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 وعودة اللاجئين ، وانسحاب من هضبة الجولان المحتلة ، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان . ويومها قال عنها شارون أنها لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت فيه .
  5. العنوان الأكذوبة ، الذي حملته المقالة " إما الضم أو التطبيع " ، ماذا سيغير من طبيعة الأمور ؟ . حيث التطبيع يسير بخطى متسارعة وصلت إلى حدود الإعلان عن إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات والكيان .
  6. أين التناقض الذي طرحه السفير العتيبة ، بين الضم والتطبيع ؟ ، طالما أن المحرمات في التطبيع مع الكيان قد سقطت ومنذ زمنٍ بعيد ، وليس اليوم . فالعدو الصهيوني هودّ القدس ، وترامب أعلنها عاصمة للكيان ، وفق " صفقة القرن " التي صفّق لها السفير العتيبة عندما جرت المراسم الاحتفالية للإعلان عنها في البيت الأبيض .
  7. وقول المقالة ، أنّ الضم يتحدى الإجماع العربي كلام يعرفه قادة الكيان ، على أنه استهلاك فارغ ، فليس هناك من إجماع عربي رسمي ، خصوصاً مع ما سمي ب" الربيع العربي " ، من خارج إرادة ومشيئة الإدارة الأميركية . فأينّ الإجماع العربي من استباحة الدم الفلسطيني وعناوينه الوطنية من قبل الكيان الصهيوني ؟ . وأين الإجماع العربي عندما شرعتم التدخل الدولي في ليبيا ، التي لا تزال ترزح تحت نير التدخلات الدولية وعبثها ونهبها للنفط الليبي ، وتستثمر في الدماء الليبية ، وتؤجج الصراع بين أبنائه خدمة لمصالحها وأطماعها ؟ . أين الإجماع العربي من الحرب الكونية التي تتعرض لها سورية من حوالي العشر سنوات ، ولا زالت بفضل أموال ونفط هكذا إجماع بائس تعاني ومواطنيها من حربٍ ظالمة طالت البشر والشجر والحجر ، وحصار اقتصادي خانق ، أخر فصوله ما سمي ب" قانون قيصر " . ناهينا عن أفعال إجماعكم بحق العراق وأهله وإزهاق أكثر من مليون عراقي على يد الاحتلال الأميركي ، وكذلك اليمن وحربكم المجنونة والمتواصلة عليه منذ خمسِ سنوات بقيادة السعودية .
  8. محاولة بائسة ومضللة من قبل كاتب المقالة ، أن رؤية إماراته ، بل ومعظم العالم العربي للكيان الصهيوني ، على أنه فرصة وليس عدو ، في مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، وما يدعونه من تمدد لها في المنطقة . هذه المحاولات تجافي الحقيقة ، فالكيان كان وسيبقى العدو لأمتنا . إلاّ إذا كان يقصد الأنظمة فهذا شيء أخر ، لأن شعوب أمتنا بما فيها الخليجي هو جزءٌ أصيل من أمتنا التي ستبقى على خياراتها في مقاومة الكيان الصهيوني الغاصب للأرض الفلسطينية ومقدساتها .      
  9. القول المخجل والمُدان للسفير العتيبة ، في تباهيه تصنيف دولته لحزب الله منظمة إرهابية ، وشجب إماراته للتحريض الذي تقوم به حركة حماس . وفي المقلب الأخر يُمني العتيبة نفسه ، بأنّ دولته والكيان تملكان جيشان من أفضل جيوش المنطقة ، وفي مقدورهما أن يخلقا تعاوناً أمنياً أكثر فعالية ، في مواجهة الإرهاب والعدوان ، من خلفية ما يواجهانه من المخاوف والمخاطر المشتركة أولاً ، ولما تملكانه من اقتصاد متطور ومتنوع ثانياً . متناسياً أنّ بلاده فشلت ومعها قوى العدوان السعودي في كسر إرادة الشعب اليمني وجيشه وحركة أنصار الله ، وكذلك الكيان الصهيوني الذي هُزِمّ أمام المقاومة الوطنية والإسلامية بقيادة حزب لله ، وأمام قوى المقاومة الفلسطينية على أرض فلسطين .
  10. يُقر السفير العتيبة في مقالته أن سقف مطالبه للفلسطينيين حكم ذاتي موّسع مع استثمارات ، من دون الحديث عن الدولة لفلسطينية ، مقابل علاقات مشتركة مع أنظمة الدول العربية . وعكس ذلك فإنّ الضم !!! سيقلب التطلعات الصهيونية في إقامة علاقات أمنية واقتصادية وثقافية رأساً على عقب مع تلك الأنظمة والإمارات العربية من ضمنها .
  11. يعلن السفير العتيبة أنّ الضم ، وأي رد فلسطيني عليه ،  سيستدعي ما أسماه ب" عنف المتطرفين " . فهو يُطالب الفلسطينيين قبل الصهاينة بضرورة عدم الرد على الضم ، وهو بذلك يساوي بين الجلاد والضحية .

المقالة بحد ذاتها مع ما تضمنته من وقاحة سياسية ودبلوماسية غير معهودة ، هي استجداء إماراتي لقادة الكيان ، بضرورة عدم تخريب ما تمّ إنجازه في تكريس التطبيع على طريق إقامة العلاقات الكاملة ، بعد السياق الطويل من عمليات التطبيع في شتى المجالات والمستويات ، بما فيها الدبلوماسيين الصهاينة المتواجدين في الإمارات من ضمن بعثة أممية . فالسفير العتيبة الذي يفاخر بأنه لعب دوراً هاماً في عهد إدارة الرئيس أوباما ، لجهة التقرب والتطبيع مع الكيان ، لا يخفي في مقالته حرصه وبلاده الشديد على التمايز عن بقية الدول العربية عموماً ، والخليجية خصوصاً في التطبيع والسير به قُدماً في كل المجالات ، لتُشكل الإمارات من نفسها رافعة لتلك العلاقات في المنطقة بل والعالم بحسب المقالة ، التي نهنئ كاتبها على تحفته التي تكشف مدى التورط الإماراتي كإحدى منصات تنفيذ " صفقة القرن " . 

                                                                                                                                              

 

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل