أقلام الثبات
" المكتوب يعرف من عنوانه " ، مثل عربي ينطبق على مقالة سفير الامارات العربية في واشنطن يوسف العتيبة ، والتي نشرتها صحيفة " يديعوت أحرونوت " العبرية ، وحملت عنوان " إما الضم أو التطبيع " .
في قراءة متأنية لما نشرته الصحيفة العبرية ، للنصف العلوي من الصفحة الثانية من المقالة المذكورة . ومن دون المبالغة بالتوصيفات والنعوت التي لا تغني ولا تسمن ، بل على العكس قد تثير حفيظة من لا نحملهم وزرّ ما ذهبّ إليه السفير العتيبة ، وهو في المناسبة من المتحمسين للتطبيع وإقامة العلاقات مع كيان الاحتلال الصهيوني ، والذي تربطه بسفيره في واشنطن " رون دريمير " علاقات وثيقة . كما أنه واحد من بين ثلاثة سفراء كان حاضراً حفل الإعلان عن " صفقة القرن " في كانون الثاني 2020 ، في البيت الأبيض ، التي تُشرع أصلاً عمليات الضم ، التي طالب السفير الأميركي في الكيان " فريدمان " ، ضرورة الإسراع بالضم وعدم انتظار شهر تموز للبدء به .
- المقالة لا تعبر عن كاتبها ، وإنما عن الدولة التي هو سفيرها ، أي دولة الإمارات المتحدة ، التي لا تخفي علاقات التطبيع مع الكيان الصهيوني . وليس أخرها الطائرة الإماراتية التي هبطت في مطار " بن غوريون " ، بحجة نقل مواد وتجهيزات طبية للسلطة الفلسطينية ، التي نفت علمها بالموضوع . ليتبين فيما بعد وعلى ذمة مصادر إعلامية ، أن الطائرة المذكورة كانت في مهمة نقل أسلحة وذخائر صهيونية لأحد طرفي النزاع في ليبيا .
- بحسب " قناة 13 " التلفزيونية العبرية ، المقالة جاءت ثمرة لحوار مشترك امتد إلى عشرة أيام متواصلة ، بين السفير العتيبة ومسؤولين أميركيين وصهاينة .
- قبل نشر المقالة ، تمت استشارة المنتج " حاييم سابان " ، وهو مُستثمر صهيوني مقيم في الولايات المتحدة ، والذي تربطه صداقة مع العتيبة ، حول كيفية نشر المقالة . الذي بدوره أشار عليه أن المقالة ، إذا كان الهدف إيصالها لجمهور المستوطنين ، أولاً ، يجب أن تكون باللغة العبرية ، وثانياً ، تنشر في وسيلة إعلامية صهيونية . وهذا ما حصل ، عندما اتصل " موشيه ديبي " المستشار الإعلامي للمنتج " حاييم سابان " ، بمحرر صحيفة " يديعوت أحرونوت " في واشنطن ، وأبلغه عن المقالة وأهمية نشرها ، حيث كان له ما أراد ، بعد أن خضعت المقالة إلى تغييرت في الصياغة عدة مرات .
- المضمون الذي حملته المقالة ، يتناقض ويتعارض مع ما تسمى ب" مبادرة السلام العربية " ، التي أقرتها القمة العربية في بيروت العام 2002 . ويعد تراجعاً فاضحاً عما تضمنته تلك المبادرة ، من قيام دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 وعودة اللاجئين ، وانسحاب من هضبة الجولان المحتلة ، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان . ويومها قال عنها شارون أنها لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت فيه .
- العنوان الأكذوبة ، الذي حملته المقالة " إما الضم أو التطبيع " ، ماذا سيغير من طبيعة الأمور ؟ . حيث التطبيع يسير بخطى متسارعة وصلت إلى حدود الإعلان عن إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات والكيان .
- أين التناقض الذي طرحه السفير العتيبة ، بين الضم والتطبيع ؟ ، طالما أن المحرمات في التطبيع مع الكيان قد سقطت ومنذ زمنٍ بعيد ، وليس اليوم . فالعدو الصهيوني هودّ القدس ، وترامب أعلنها عاصمة للكيان ، وفق " صفقة القرن " التي صفّق لها السفير العتيبة عندما جرت المراسم الاحتفالية للإعلان عنها في البيت الأبيض .
- وقول المقالة ، أنّ الضم يتحدى الإجماع العربي كلام يعرفه قادة الكيان ، على أنه استهلاك فارغ ، فليس هناك من إجماع عربي رسمي ، خصوصاً مع ما سمي ب" الربيع العربي " ، من خارج إرادة ومشيئة الإدارة الأميركية . فأينّ الإجماع العربي من استباحة الدم الفلسطيني وعناوينه الوطنية من قبل الكيان الصهيوني ؟ . وأين الإجماع العربي عندما شرعتم التدخل الدولي في ليبيا ، التي لا تزال ترزح تحت نير التدخلات الدولية وعبثها ونهبها للنفط الليبي ، وتستثمر في الدماء الليبية ، وتؤجج الصراع بين أبنائه خدمة لمصالحها وأطماعها ؟ . أين الإجماع العربي من الحرب الكونية التي تتعرض لها سورية من حوالي العشر سنوات ، ولا زالت بفضل أموال ونفط هكذا إجماع بائس تعاني ومواطنيها من حربٍ ظالمة طالت البشر والشجر والحجر ، وحصار اقتصادي خانق ، أخر فصوله ما سمي ب" قانون قيصر " . ناهينا عن أفعال إجماعكم بحق العراق وأهله وإزهاق أكثر من مليون عراقي على يد الاحتلال الأميركي ، وكذلك اليمن وحربكم المجنونة والمتواصلة عليه منذ خمسِ سنوات بقيادة السعودية .
- محاولة بائسة ومضللة من قبل كاتب المقالة ، أن رؤية إماراته ، بل ومعظم العالم العربي للكيان الصهيوني ، على أنه فرصة وليس عدو ، في مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، وما يدعونه من تمدد لها في المنطقة . هذه المحاولات تجافي الحقيقة ، فالكيان كان وسيبقى العدو لأمتنا . إلاّ إذا كان يقصد الأنظمة فهذا شيء أخر ، لأن شعوب أمتنا بما فيها الخليجي هو جزءٌ أصيل من أمتنا التي ستبقى على خياراتها في مقاومة الكيان الصهيوني الغاصب للأرض الفلسطينية ومقدساتها .
- القول المخجل والمُدان للسفير العتيبة ، في تباهيه تصنيف دولته لحزب الله منظمة إرهابية ، وشجب إماراته للتحريض الذي تقوم به حركة حماس . وفي المقلب الأخر يُمني العتيبة نفسه ، بأنّ دولته والكيان تملكان جيشان من أفضل جيوش المنطقة ، وفي مقدورهما أن يخلقا تعاوناً أمنياً أكثر فعالية ، في مواجهة الإرهاب والعدوان ، من خلفية ما يواجهانه من المخاوف والمخاطر المشتركة أولاً ، ولما تملكانه من اقتصاد متطور ومتنوع ثانياً . متناسياً أنّ بلاده فشلت ومعها قوى العدوان السعودي في كسر إرادة الشعب اليمني وجيشه وحركة أنصار الله ، وكذلك الكيان الصهيوني الذي هُزِمّ أمام المقاومة الوطنية والإسلامية بقيادة حزب لله ، وأمام قوى المقاومة الفلسطينية على أرض فلسطين .
- يُقر السفير العتيبة في مقالته أن سقف مطالبه للفلسطينيين حكم ذاتي موّسع مع استثمارات ، من دون الحديث عن الدولة لفلسطينية ، مقابل علاقات مشتركة مع أنظمة الدول العربية . وعكس ذلك فإنّ الضم !!! سيقلب التطلعات الصهيونية في إقامة علاقات أمنية واقتصادية وثقافية رأساً على عقب مع تلك الأنظمة والإمارات العربية من ضمنها .
- يعلن السفير العتيبة أنّ الضم ، وأي رد فلسطيني عليه ، سيستدعي ما أسماه ب" عنف المتطرفين " . فهو يُطالب الفلسطينيين قبل الصهاينة بضرورة عدم الرد على الضم ، وهو بذلك يساوي بين الجلاد والضحية .
المقالة بحد ذاتها مع ما تضمنته من وقاحة سياسية ودبلوماسية غير معهودة ، هي استجداء إماراتي لقادة الكيان ، بضرورة عدم تخريب ما تمّ إنجازه في تكريس التطبيع على طريق إقامة العلاقات الكاملة ، بعد السياق الطويل من عمليات التطبيع في شتى المجالات والمستويات ، بما فيها الدبلوماسيين الصهاينة المتواجدين في الإمارات من ضمن بعثة أممية . فالسفير العتيبة الذي يفاخر بأنه لعب دوراً هاماً في عهد إدارة الرئيس أوباما ، لجهة التقرب والتطبيع مع الكيان ، لا يخفي في مقالته حرصه وبلاده الشديد على التمايز عن بقية الدول العربية عموماً ، والخليجية خصوصاً في التطبيع والسير به قُدماً في كل المجالات ، لتُشكل الإمارات من نفسها رافعة لتلك العلاقات في المنطقة بل والعالم بحسب المقالة ، التي نهنئ كاتبها على تحفته التي تكشف مدى التورط الإماراتي كإحدى منصات تنفيذ " صفقة القرن " .
من تستهدفهم “إسـرائيل” لا يحتاجون بيانات… بل فضحاً كاملاً للجريمة
ألمانيا... الصدمة المزدوجة ــ د. ليلى نقولا
أسوأ من 17 أيار ــ عدنان الساحلي
عملية أستراليا... بين "تبييض" الصورة "الإسرائيلية" والتحضير لاعتداء مقبل ــ د. نسيب حطيط