أقلام الثبات
كما كان متوقعًا، عادت الاحتجاجات والتظاهرات الى الشارع اللبناني بعد غياب قسري للمتظاهرين بسبب جائحة كورونا. نقول متوقعًا، لأن الأسباب التي دفعت الناس الى الشارع ما زالت هي نفسها، ولأن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ما انفكت تضغط على اللبنانيين، حتى باتت في شهر حزيران 2020 أسوأ مما كانت عليه في تشرين الاول 2019 حين بدء الاحتجاجات.
ويمكن القول أن هناك مركَزَي قوى ما زال مستمرًا بمعركة "كسر عظم" حتى لو أدى الأمر الى إحراق لبنان برمته، وهما:
- الأول: حزب المصارف، وعلى رأسه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والذي تبين انه كان وراء المضاربة بالعملة والذي أوصل الأمور الى ما وصلت اليه من انهيار دراماتيكي أواخر الأسبوع الماضي... وكان النائب حسن فضل الله قد كشف أن التحقيقات التي أجريت أظهرت "أنه من آب ٢٠١٩ هناك من عمل على سحب الدولارات بكميات ضخمة من السوق وإرسالها إلى خارج الأراضي اللبنانية... وأن اعترافات الموقوفين لدى القضاء أكدت أنه منذ آب ٢٠١٩ لغاية أيار ٢٠٢٠ حصل الجمع والتهريب، وكانوا يأخذون من البنك المركزي كميات من الليرات اللبنانية، وتجميعها كان يصبّ في مصرف سوسيتيه جنرال، إلى أن استُدعي المدير في المصرف كريم خوري إلى التحقيق" وأضاف إن "الليرة اللبنانية كانت تخرج من المصرف المركزي إلى مصارف عدة، منها مصرف سوسيتيه جنرال ومصارف أخرى. المصرف يعطي المال اللبناني لشبكة من الصرافين، ما أدى إلى تراكم الشح بالدولار، وفي 20 أيار استدعي المشتبه فيهم، وفي 21 أيار أفرج عنهم"!.
ووقد اتهم فضل الله السفارة الأميركية في منع شحن الدولار الى لبنان، لكن لم يقل لنا النائب فضل الله مَن مارس الضغوط على القضاء للإفراج عنهم؟ وإذا كان من المتعذر على النيابة العامة المالية أن تستمر بالتحقيق وتوقيف المتورطين، لماذا لم تقم السلطة السياسية بالضغط على هؤلاء للتعهد بالتوقف عن المضاربة بالعملة مقابل الافراج عنهم؟.
- الطرف الثاني هو الطبقة السياسية التي استمرت تنهب اللبنانيين منذ 30 عامًا، والتي تبدو مستعدة للاندفاع الى حرب أهلية إذا شعرت بأن سلطتها على المحك.
لقد عاش اللبنانيون خلال الاسبوعين الماضيين كل مظاهر الحرب الأهلية وعادت بهم الذاكرة الى عشية 1975، حين تقاذفت الطبقة السياسية التهم، واستجلبت التدخلات الخارجية للحفاظ على مصالحها الضيقة تحت عنوان "الحفاظ على الطائفة والوجود".
وهكذا، عادت المتاريس المذهبية؛ وبات أمام اللبناني - المهدد بلقمة عيشه والذي ينحدر بسرعة الى ما تحت خط الفقر- أن يختار على أي خط مذهبي يريد أن ينتحر ويسفك دمه ودم أولاده؛ فهناك عنوان "الاقتتال السنّي السنّي" الذي ينخرط فيه الأخوين الحريري (سعد- بهاء) والوزير السابق أشرف ريفي الذي يحاول أن يستجلب الدعم التركي مقابل نفوذ تاريخي تقليدي للخليجيين في تلك البيئة. وهناك عنوان "الصراع السنّي الشيعي"، الذي يتم تغذيته تحت عنوان "استباحة بيروت التي عمّرها رفيق الحريري"، وهناك عنوان " الاقتتال المسيحي الاسلامي" والذي يتم تحفيزه في مناطق خطوط التماس السابقة، ويشترك فيه أمراء الحرب والميليشيات المسيحية، تحت عنوان "نزع سلاح حزب الله"، والتسلح لـ"حماية مناطقنا".
النتيجة، يبدو أن لبنان مصاب بلعنة أبدية لن ينجو منها؛ طبقة سياسية عفنة بلا قلب ولا ضمير، كرّست نفسها بعد الطائف "دولة عميقة" تعيث فسادًا وإفسادًا، ومستعدة لإحراق الهيكل وتدميره على من فيه حماية لمصالحها وتكديسًا لثرواتها.